حسن أبو هنية
من المنتظر أن يكون اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض في 16 مايو القادم حاسما في تحديد طبيعة العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة وتركيا التي تعرضت لهزات وتصدعات إبان الحقبة الثانية من رئاسة أوباما بسبب عدة قضايا في مقدمتها الخلاف حول استراتيجية الحرب على الإرهاب في سوريا باعتماد أمريكا على خصوم تركيا من الأكراد في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والموقف الأمريكي من الانقلاب الفاشل وجماعة فتح الله غولن.
رغم تحسن العلاقة بين أمريكا وتركيا منذ مجيء ترامب والتصريحات الإيجابية إلا أن التفاؤل أخذ بالتبدد عقب تكشّف استراتيجية ترامب وحسم خياراتها بالاعتماد على الأكراد في تحرير الرقة حيث استبقت واشنطن زيارة أردوغان بقرار تزويد الأكراد بالأسلحة الأمر الذي يحدد سقف النقاش والتوقعات حول مجموعة من القضايا المترابطة وفي مقدمتها الحملة الأمريكية لتحرير مدينة الرقة السورية بمساعدة كردية والحملة التركية ضد «حزب العمال الكردستاني».
لاشك أن الوضع في شمال سوريا سيكون الموضوع الأكثر تعقيدا وصعوبة على جدول المباحثات في ظل احتدام التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا حول دور «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردستاني السوري وجناحه العسكري المتمثّل بـ «وحدات حماية الشعب» في المعركة الجارية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وكانت تركيا قد نفذت غارة جوية استهدفت قواعد «وحدات حماية الشعب» على طول الحدود العراقية السورية في 23 أبريل الأمر الذي استدعى قيام أمريكا بالقيام بدوريات مشتركة مع تلك الوحدات على طول الحدود.
كانت إدارة ترامب قد أكدت في 9 مايو أن الولايات المتحدة سوف تتحرك ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة بالإعتماد على «حزب الاتحاد الديمقراطي» وسوف تزوده بالأسلحة اللازمة وجاء القرار الأمريكي عقب الإعلان عن فشل برنامج تدريب فصائل المعارضة السورية المعتدلة وبحسب مراقبين وخبراء فإن قرار الاعتماد على الأكراد يبدو ناجعا من الناحية لكنه خاطئ من الناحية الاستراتيجية إذا لم يتزامن مع التوصل إلى تسوية مع الأتراك الأمر الذي قد يشعل فتيل المواجهة بين أنقرة وواشنطن في إطار اللعبة الجيواستراتيجية الكبرى التي بدأت تلوح في الأفق في المنطقة.
إن هذه اللعبة التي تحاك داخل سوريا وحولها بحسب جيمس جيفري من معهد واشنطن ليست تلك المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة بعزيمة وطيدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في معاقله الأخيرة في الموصل في العراق والرقة في سوريا بل إنها العملية الكبرى لتقسيم المشرق بعد النهاية المحتّمة لـتنظيم «داعش» وتعتبر الغارة الجوية التركية والهجوم الإسرائيلي الأخير على مستودعات «حزب الله» في مطار دمشق خطوتين مدروستين تشكلان جزءاً من اللعبة الكبرى التي تتمثّل في الجهود التي يبذلها الأتراك والإسرائيليون والأكراد العراقيون والأغلبية العربية السنية في المنطقة، وكذلك الولايات المتحدة للتصدي للاضطراب الحاصل في النظام الإقليمي الذي يقوده الإيرانيون والروس وهذا تماماً ما سيسمعه ترامب من الزعماء الإقليميين في إسرائيل والمملكة العربية السعودية في غضون أسبوعين.
في اللقاء المرتقب بين ترامب وأردوغان سوف يحاول أردوغان شرح المخاطر الاستراتيجية بالاعتماد على الأكراد في معركة الرقة وأثارها ليست على الأمن القومي التركي فحسب بل على المنطقة برمتها فبالنسبة لتركيا لا يعدو «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري عن كونه امتداداً لمنظمة «حزب العمال الكردستاني» التركي المصنفة كمنظمة إرهابية وتعمل على تهديد الأمن القومي التركي منذ أكثر من ثلاثة عقود وإثارة الفوضى والاضطراب ويعتبر»حزب الاتحاد الديمقراطي» مكونا بنيويا من الفوضى والاضطراب ويبدو أن أردوغان سوف يطرح أسئلة حرجة وصعبة على ترامب في الإطار الاستراتيجي الكلي فهو يدرك إن الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية ناجعة تجاه إيران وحلفائها ومليشياتها ولا تمتلك رؤية واضحة حول طبيعة العلاقة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» عقب طرد وهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية».
إن قلق أردوغان البالغ إزاء تسليح الولايات المتحدة للأكراد في سوريا ينبع من افتقار إدارة ترامب إلى تصور لمرحلة ما بعد «داعش» حيث لا مفر من قيام «حزب الاتحاد الديمقراطي» بتأسيس كيان كردي متصل على طول الحدود الجنوبية لتركيا الأمر الذي يعني زيادة واتساع نطاق الأراضي التي تقع تحت نفوذ «حزب العمال الكردستاني» ويمهد لمخاطر امتداد عملياته سياسيا وعسكريا داخل تركيا مع وجود 15 مليون كردي تركي ومن المعروف أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» يتمتع بعلاقات وثيقة مع النظام السوري وروسيا وإيران وهو ما يجعل تركيا مهددة بشكل حقيقي.
مع قرب نهاية معركة الموصل وارتفاع وتيرة معركة الرقة وتراجع وانكفاء تنظيم «الدولة الإسلامية» سوف تبرز الأسئلة الأصعب ذلك أن إدارة ترامب تقرّ مبدئيا على النقيض من إدارة أوباما بجدية التهديد الإيراني للنظام الإقليمي لكنها مع ذلك تفتقر إلى أي استراتيجية عملية لاحتوائه ففي غمرة انشغال واشنطن بتحقيق انتصارات تكتيكية تحقق إيران مكاسب استراتيجية ولا يمكن لواشنطن الاستغناء عن تركيا في خلق حالة من التوازن واحتواء إيران وبهذا فإن ترامب يضع نفسه أمام مواجهة محتملة مع تركيا الحليفة في منظمة «حلف شمال الأطلسي» ويدخل المنطقة في حالة من الفوضى والاضطراب وبهذا فإن اللقاء المرتقب بين أردوغان وترامب سيحدد شكل المنطقة بطرائق عديدة.
عن الرأي