بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
اصعب ما يمر به المواطن العربي في هذه الفترة ، مشاهدته لما حل ويحل بالمنظومة العربية التي ينتمي اليها من ضعف واستباحة واستهداف لمكوناتها العروبية على يد قوى دولية وإقليمية ، في الوقت الذي توسعت فيه مداركه وافاق فهمه ومعرفته ، لما يحاك لامته من مؤامرات وسيناريوهات عدائية على يد هذه القوى وبات بصورتها الكاملة ، ولكنه يقف عاجزا عن احداث التغيير الذي يرى انه من الممكن ان ينقذ الامة من براثن الكوارث والويلات التي اصابتها ، خاصة وهو يشاهد كيف تحول الشقيق الى أداة بيد الغريب لضرب شقيقه مع ان كلاهما في دائرة الاستهداف على قاعدة ( اكلت يوم اكل الثور الأبيض ) ، ووفقا للسيناريو الذي اعده هذا الغريب الطامع بهما .
ولو اسقطنا هذا الكلام على الاحداث التي تشهدها المنطقة ، وتحديدا في سورية والعراق ، فلربما أكتشفنا وتأكدنا من صحة ما ذهبنا اليه وسط التناقضات التي يحفل بها المشهد هناك ، حتى اننا قد نصاب بالحيرة ونحن نحاول ان نفسر ما يحدث . فاميركا مثلا لم تدخل في صراع حقيقي مع ايران التي تدعم الارهاب وتهدد مصالحها كما تدعي ، وانها غير جادة في سياسة الحد من نفوذها ومحاصرتها وتطويقها في سورية والعراق واليمن ولبنان عبر اذرعها الطائفية المسلحة ، وان هناك من يرى بان التهديد الذي تشكله ايران وميليشياتها المسلحة في المنطقة يخدم المصالح الأميركية من خلال تخويف بعض الدول العربية وتحديدا الدول الخليجية به ، ونهب خيراتها واموالها بحجة الدفاع عنها ضد هذا الخطر الذي يتهددها ، واميركا التي تغاضت عن الاتفاق النووي الإيراني كانت قد خاضت حربا تدميرية ضد العراق وسلمته لإيران . في الوقت الذي دعمت فيه إسرائيل وشجعتها على تدمير المفاعل النووي العراقي وهو ما زال قيد الانشاء . إضافة الى ان اميركا متهمة في توظيف البعد الطائفي في اذكاء نيران الفتنة الطائفية والاقتتال المذهبي في المنطقة ، كأداة من أدوات الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس . وساهمت بالصاق تهمة الإرهاب بالمكون السني ، واصباغها تنظيم داعش بالصبغة السنية رغم انه من صناعتها بهدف تقسيم المنطقة ، كما تقول وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلنتون ايضا في كتابها خيارات صعبة. حتى ان حليفها الإسرائيلي الذي خاضت من اجله حروبا مدمرة في المنطقة ، لم يحرك ساكنا هو الاخر لجهة استهداف المفاعل النووي الإيراني ، ولم يحاول منع اقتراب الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله من المنطقة الحدودية معه في الجولان . واذا كانت إسرائيل تستهدف مواقع حزب الله في جنوب لبنان فعلا ، فلماذا لم تقم بضربها والاستيلاء عليها اثناء مشاركة عناصر الحزب في الاحداث السورية مثلا .
لقد تكرس الانطباع وتعمقت القناعة بان التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها هي صناعة القوى الإقليمية والدولية نفسها ، والتي تدعي محاربة الإرهاب ، مع ان أيا منها لم يفعل ذلك . فروسيا مثلا تتهم الولايات المتحدة بانها تتواطئ مع تنظيم داعش ، وتقوم بتأمين ممرات امنة له للانتقال بين المناطق السورية والعراقية المختلفة ، كما هو الحال في الرقة ودير الزور ( والانبار ) . وروسيا متهمة بانها لا تستهدف التنظيمات الإرهابية ، بل تستهدف المعارضة المعتدلة ، وتمعن بقتل المدنيين واستهداف المدارس والمستشفيات والمرافق العامة والبنى التحتية في سورية ، وتسعى الى تمييع محادثات جنيف ، والاستعاضة عنها بمحادثات من إخراجها كأستانا وسوتشي ، وبما يتوافق وتحقيق مصالحها ، وانها تصر على بقاء الرئيس السوري بشار الأسد لشرعنة تدخلها وتوسيع نفوذها في سورية . إضافة الى ان القوات الإيرانية وميليشياتها المسلحة تكثف تحركاتها وتواجدها في المناطق السورية المختلفة وفي المنطقة الحدودية السورية العراقية ، تنفيذا لمشروعها البري الرامي الى ربط حدودها بلبنان والبحر المتوسط عبر هذه المنطقة الحدودية ، وتعمد ايضا الى ممارسة سياسة التطهير الطائفي والديمغرافي في الاحياء السنية بعد مهاجمتها وتحريرها من التنظيمات الإرهابية التي مهدت امامها ( ايران ) الطريق للسيطرة عليها ، فتظهر امام الأطراف الدولية التي تدعي محاربة الإرهاب وكأنها تقوم بهذه المهمة هي أيضا ، ما يعزز من ثقة هذه الأطراف في الاعتماد عليها وبصورة من شأنها تعزيز حضورها في المشهد الإقليمي ايضا . من جهة أخرى ، فان تركيا متهمة هي الاخرى بإدخال الجماعات الإرهابية الى سورية بهدف اسقاط نظام الأسد وضرب المشروع الكردي الذي يهدد امنها القومي .