بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
دائما ما يتأكد لنا بان عالم السياسة المرتبط بالمصالح لا يعرف المبادئ ولا الاخلاق ، رغم ان جل شعاراته التي يرفعها مستوحاة من بيئة الحضارة والإنسانية ، فاذا بنا نشاهد ان الانسان هو اول ضحايا هذه الشعارات التي تخفي خلفها أدوات القتل والجريمة بحق دول وشعوب ، ليس لها ذنب ،الا انها تقع على الطريق المؤدي الى تحقيق مصالح اطراف دولية وإقليمية . وما مشهد العنف والفوضى والحروب الذي تشهده المنطقة عنا ببعيد ، ونحن نشاهد الإنسانية تذبح بادوات المصالح الحادة من قبل بعض هذه الأطراف التي جعلت من محاربة الإرهاب وسيلتها لتعزيز نفوذها وسيطرتها في المنطقة . في توظيف قذر لهذه الافة الخطيرة التي تم زرعها في المناطق المستهدفة ، التي يتم الاستيلاء عليها تحت ذريعة تطهيرها من هذا الإرهاب الذي زرعوه واشرفوا على انتشاره الى حيث تصل أدوات مصالحهم الحادة . الكل يدعي ان وجوده في المنطقة هو من اجل محاربة الإرهاب ، الا ان أيا منهم لا يقوم بذلك . فروسيا التي دخلت أجواء الازمة السورية من بوابة محاربة الإرهاب ، متهمة باستهداف قوى المعارضة المعتدلة وليس التنظيمات الإرهابية ، والولايات المتحدة متهمة بالتواطؤ وعدم الجدية في محاربة الإرهاب أيضا . وصولا الى ايران التي تعمد الى توظيف الإرهاب وتغذيته في المنطقة ، تماهيا مع مشروعها التوسعي الاستراتيجي القائم على الطائفية والتطهير العرقي ، والممتد من حدودها الى لبنان والبحر المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية من خلال اذرعها الميليشياوية المسلحة في العراق وسورية ولبنان واليمن ، ممثلة بحزب الله وجماعة الحوثي والجيش الشعبي ، مستغلة مخرجات الأوضاع في المنطقة والتي جاءت في مصلحتها ، حتى انها اخذت تعلن وبصراحة متناهية عن احكام سيطرتها على اربع عواصم عربية منها العاصمة اللبنانية بيروت بطبيعة الحال . الامر الذي جعل من محاصرتها وتطويقها وضرب اذرعها في المنطقة في دائرة أولويات واهتمامات بعض الأطراف الدولية والإقليمية ، التي اخذت تعد السيناريوهات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية على شكل تفاهمات وترتيبات وتحالفات جعلت الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات والخيارات بما في ذلك الخيار العسكري ، وبصورة متوافقة على ما يبدو مع الاستراتيجية الجديدة التي اعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا ، للحد من نفوذ ايران ودعمها للجماعات الإرهابية وزعزعة امن المنطقة واستقرارها ، وهي الاستراتيجية التي انطوت على التفكير بإعادة تقوية تحالفات اميركا التقليدية وشراكاتها الإقليمية وتفعيلها .
وعلى ما يبدو ان استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري تأتي في هذا السياق على اعتبار ان ايران التي تستهدف الامن الإقليمي العربي منخرطة في هذه الحكومة ، وضالعة في التدخل بشؤون لبنان الداخلية وتتعدى على سلطته وتحاول اختطافه من محيطه العربي بواسطة حزب الله الذي فرض نفسه في الساحة اللبنانية بقوة السلاح ، وبات يعمل لحسابات ايرانية دولة داخل دولة . وان الحريري الذي لا يريد ان يبقى متفرجا على لبنان وهو ينزلق الى المحور الإيراني ، انما أراد ان يرفع الغطاء عن حزب الله ويعلن الانحياز الى المحور العربي ، ولو من باب تأكيد مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة ، وحتى لا يظهر بالوقت نفسه وكأنه يعطي شرعية لسياسات حزب الله وتحركاته ضد الامن القومي العربي لحساب اجندات إيرانية ، خاصة بعد ان ذكر في خطاب استقالته ، بان ايران لديها رغبة في تدمير العالم العربي ، وانها أينما حلت حل الخراب والدمار .ما يؤشر الى ان استقالة الحريري تنطوي على رسائل الى قوى إقليمية ودولية وشحنها وتحريضها ووضعها امام مسؤولياتها في مواجهة سيطرة ايران على القرار اللبناني وتنامي خطرها وتدخلها بشؤون دول المنطقة بعد ان اخذت موازين القوى تميل لصالحها .