احمد حسن الزعبي
هناك لقطة في أحدى حلقات المسلسل الكرتوني «توم وجيري» يصاب بها القط «توم» بالحصبة ،فيشعر باكتئاب جراء هذا المرض ،فلم تعد تغريه فكرة المطاردة ولا الجري وراء «جيري»..يمضي وقته يضع يده على خدّه ويتأمل بحزن شديد المشهد من النافذة..يحاول الفأر جيري أن يناكفه فيتحرّش به أكثر من مرة لكن القط على غير العادة في تلك اللقطة «مكبّر دماغه» ويملّ كل ما هو حوله..
أنا في هذه الأيام مثل توم في تلك الحلقة ، تسألني أم العيال «شو اساوي لك غداء»؟..أنظر إليها بعينين ذابلتين ثم أقول لها: «سووا اللي بدكوا إياه»..» طيب أعمل لك هسع شاي ولا قهوة»؟..»سوي اللي بتساويه»..افتح الشاشة على الأخبار رئيس الحكومة يتحدّث عن مدينة جديدة..ونائبه ينفي علمه بها ،والناطق باسم الحكومة «يمزح»..و «ناشطون»–بعضهم لا يفكّ الخط السياسي–تطلعهم الحكومة على الخطط المستقبلية..أنظر إلى كل ما يكتب وينشر وأقول «سووا اللي بدكوا إياه»..أتابع منشورات الأصدقاء على الفيسبوك والتعليقات والمناوشات وإضاعة الوقت ومستقبل البلد على الصفحة الزرقاء ،فأي قضية مهما كانت بالغة التعقيد صارت تميع وتذوب على مواقع التواصل الاجتماعي فأغلق الجهاز وأقول في نفسي «سووا اللي بدكوا إياه..
يريدون أن يرفعوا ضريبة الدخل والمبيعات والعمل جارٍ في غرف (...) والشعب مشغول في تبادل «جمعة مباركة» و»هلا بالخميس» لذا سووا اللي بدكوا اياه»..يريدون أن يرفعوا الدعم عن الخبز بحجة تهريبه الى الدول المجاورة والدول المجاورة كلها تغلق حدودها معنا الا السعودية ، وفي ظل هذه الحجة هناك مخابز في قرى أردنية تقوم ببيع الخبز بالدين لسكّان القرى ،وفي الخط الموازي الثالث الوزراء والنواب يدعون إلى جاهات أبنائهم بآلاف «المناسف» تذهب جلها إلى الحاويات..ومع ذلك أقول «سووا اللي بدكوا اياه»..
أنا مصاب هذه الأيام بالحصبة السياسية وبالجدري «الوطني « لم يعد يغريني مطاردة الخطأ والجري وراء الإصلاح والوقوف ع»الدقرة» لكل شيء وقرع الأواني تحذيراً من طوفان المهازل والتخبّط والضيق الذي أحد لا يستطيع أن يتنبأ به أو يتخيّله.. أنا أمضي جل وقتي ويدي على خدّي أتأمل بحزن شديد المشهد من النافذة..أنا «مكبّر دماغي» هذه الأيام في الوقت الذي يحاول الجميع أن يصغّره..
وغطيني يا كرمة العلي !! ولا أقلك..»سوي اللي بدك إياه»!
عن الرأي