خيري منصور
لم يصبح اللورد بلفور في الذاكرة
اليهودية عرقوبا يضرب به المثل في الكذب والادعاء والخذلان؛ لأنه وعد، وحكومته
تعهدت بالتنفيذ، وها هو قرن يكتمل على ذلك الوعد الذي لم يجد له العرب حتى الان
اسما دقيقا، فقد قالوا انه مشؤوم او ان من لا يملك اعطى لمن لا يستحق، والحقيقة
اشد فظاعة وايلاما من كل ذلك، وقد تكون ذكرى الظهيرة السوداء لذلك الوعد مجرد يوم
آخر في تقاويم عربية محجوزة في كل الشهور والايام لذكرى مآتم وانكسارات وانقسامات،
فالتاريخ احيانا يخلق مفارقات تراجيدية ويحول المصادفات الى دروس بليغة وعِبر ومن
امثلة ذلك رحيل عبد الناصر في اليوم ذاته الذي انتهت فيه الوحدة بين القاهرة
ودمشق، بحيث يبدو الرجل كما لو انه مات
مرتين!.
لقد تلقى عرب القرن العشرين وعودا
كثيرة من لوردات وجنرالات وتجار اسلحة وحروب، لكنها كانت على الدوام مع وقف
التنفيذ واستخدمت للابتزاز واعتصار العرب حتى آخر قطرة، وقد يتصور الواقعيون جدا
والاقرب في واقعيتهم الى الزواحف ان قرنا يكفي لتحويل اي طارىء او عجيب الى امر
واقع، لهذا يحتفل اعداؤهم بذكرى ذلك الوعد وهم في ذروة الاشتباك ويأكلون لحم بعضهم
احياء وموتى!.
واذا استمر هذا الزهايمر السياسي يقضم
الذاكرة العربية ومخزونها القومي فإن الجيل القادم قد يتصور ان اسم بلفور هو نوع
من الشامبو او السيارات او المكانس الكهربائية؛ لأن رهان اسرائيل هو على النسيان،
وقد اضاف العرب المعصورون لا المعاصرون الى النسيان تناسيا متعمدا يعفيهم من عبء
حمولة الدم!.
ان ذكرى ذلك الوعد الذي لم نجد له بعد
اسما دقيقا يليق بما نتج عنه من قتل وتشريد الملايين تأتي مرة واحدة في القرن تبعا
لطقوس المئويات، فماذا اعد عرب هذا القرن للرّد على وعد حاول حذفهم من التاريخ
وطردهم من الجغرافيا؟
الاجابة على سؤال كهذا تكفي لأن نتخيل
ما الذي ستفعله اجيالنا القادمة بعد قرن آخر وفي مثل هذا اليوم!!!.
عن الدستور