بقلم: محمد يوسف الشديفات
بينما تقلّب عناوين الصحف خلال الايام المنصرمة، تقرأ فيها ان مصر تدير الملف الفلسطيني من ألفه الى يائه بتفويض خليجي، وترعى اجتماعاً لفصائل سورية عقد في القاهرة لوقف إطلاق النار، كدلالة على الامتياز الذي منحته روسيا لمصر، والذي قد يتعداه فيما بعد الى امتياز "إعادة الإعمار"، الملك سلمان في روسيا، اردوغان في طهران، حرب اليمن، الاستفتاء الكردي، الانتهاكات الاسرائيلية المتصاعدة في القدس، تحالفات وتجاذبات وتقاطع مصالح تعيد رسم خريطة المنطقة التي غدت حبلى بالاحداث الدراماتيكية، كل هذا قد حدث ويحدث الآن، ونحن في الاردن –للأسف- نكتفي بالنظر من بعيد.
ملفات من الوزن الثقيل كانت في قبضتنا، تفرض على جميع اللاعبين السياسيين في منطقة الشرق الاوسط الاصغاء الى صوت الاردن، والجلوس معه على ذات الطاولة، للتفاوض او المساومة سيان، ما يهم اننا كنا نتميز عن غيرنا بسياساتنا الاستباقية والوقائية، وقراءة مستقبل الاحداث على كافة الصعد، واستخدام اوراق الضغط في الوقت المناسب، لحماية مصالحنا اولاً، وللحفاظ على مكانتنا الاقليمية والدولية ثانياً، ولو اردنا اليوم ان نناقش واقع حال السياسية الخارجية الاردنية، لاستنتجنا ان تلك الملفات قد تم سحب المهم منها من بين ايدينا، وما تبقى منها قد فقد أهميته "بالتقادم"، كل هذا قد حدث لاعتبارات يضيق الصدر قبل المقام عن ذكرها، في الوقت الذي ما زال يردد فيه مسؤولونا على مسامعنا ذات الجُمل السياسية الرتيبة التي استُهلكت منذ سبعينيات القرن الماضي.
لا أبالغ إذ أقول ان الاردن قد فقد نكهته السياسية، ولا أتجنى على الاردن الرسمي الذي اعترف بلسانه في عديد المناسبات ان المجتمع الدولي قد خذلنا، وان القريب والغريب قد غادرونا لنجابه مصيرنا بمفردنا، فسياسة التوازن والاعتدال والباب المفتوح التي ينتهجها الاردن، لم تعد تجدي نفعاً في عالم يموج بالتحالفات والاستقطابات، ومما لا شك فيه ان مخرجات السياسة الخارجية الاردنية انعكست سلباً على الداخل الاردني، وعلى كافة المستويات، فمن تصاعد معدلات الفقر والبطالة، وارتفاع المديونية، الى ارتفاع معدل الجريمة، مروراً بتزايد حالات الانتحار يوماً بعد يوم، وتفشي المخدرات، وتدهور التعليم ومخرجاته، وتراجع الخدمات وتهالك البنية التحتية، الى الحد الذي دفع بعقل الدولة المركزي ان يتبنى مغالطات تفتقر الى الواقعية والمنطق لتبرير اخفاقاته.
لقد فقد الاردن الرسمي مهارة التموضع السياسي في ذروة الحاجة اليها، ويبدو اننا وصلنا الى "الشيخوخة السياسية"، فلقد ولّى ذلك الزمان الذي كنا "نضرب" فيه على الطاولة لتحصيل حقوقنا، حتى غدونا خير مثال على قول الشاعر:
مرضنا فما عادنا عائِدٌ .. ولا قيل أين الفتى الألمعي؟
ولا حن طرس الى كاتبٍ .. ولا خفّ لفظ على مسمعِ