احمد ذيبان
تزدحم المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، بمساقات عديدة أساسية، وبعضها قد يكون هامشيا وحمولة زائدة ليس له فائدة حقيقية، لا تتفق مع ضرورة أن ينعكس التعليم عمليا، على تطوير الحياة وتنمية المجتمعات، والاستجابة لمتطلبات الحياة اليومية! وأظن أن مجتمعنا بحاجة ماسة الى إدخال مساقين تعليميين لهما أبعاد تربوية وسلوكية، يرتبطان بضغوط الحياة وتعقيداتها، وهما «ثقافة العمل» و«ثقافة المرور».
وفيما يتعلق بثقافة العمل يجدر التذكير، بأن الغالبية العظمى من موظفي الجهاز الحكومي والبلديات، وبنسبة أقل شركات القطاع الخاص، تم تعيينهم بطرق وأساليب ترتبط بانتظار الدور في سجلات ديوان الخدمة المدنية أو بالواسطة، ويلاحظ وجود فائض من الموظفين يزيدون عن الحاجة الاساسية، كما يرتبط التدرج الوظيفي والترقيات بالأقدمية والمحسوبية والنفاق للمسؤول، ويلاحظ أن التقارير السنوية في تقييم أداء الموظفين، تخضع للتمييز والعلاقات الشخصية والرتابة، ولا تؤخذ بجدية في تقييم أداء الموظف، سواء بالنسبة للانتاجية أو السلوك الوظيفي وتقديم الخدمة العامة! ويتجاهل الكثير من الموظفين أن الوظيفة العامة، ليست امتيازا أو مكسبا، وانتظار موعد الراتب، بل هي واجب ومسؤولية بالدرجة الاولى، خدمة للمواطن واحترامه والتيسير عليه، وهو الذي يدفع الضرائب والرسوم المتعددة من أجل الحصول على حقوقه!
في العديد من الوزارات والمؤسسات العامة استهتار بالواجب، ويتم هدر الكثير من وقت العمل، ولو أجريت دراسات حول معدل انتاجية الموظفين، أعتقد أنه يقل عن 20 بالمئة من ساعات العمل، والباقي يضيع في الثرثرة والمغادرات والتذرع بـ «الخروج الى الميدان»، وتصفح الانترنت.. فضلا عن تجاهل أخلاقيات التعامل مع المراجعين، وأخيراً تحدث رئيس هيئة مكافحة الفساد محمد العلاف، عن توسع الفساد الأصغر (الرشوة)، التي تتم لقاء تقديم الخدمة العامة، وهناك عشرين قطاعا حددتها الهيئة يمارس فيها هذا النوع من الفساد!
غالبا توجه الشبهات والاتهامات في ممارسة الفساد والتجاوزات الى كبار المسؤولين، لكن يجب الاعتراف بأن نسبة من الموظفين في مختلف مستوياتهم الادارية، يمارسون العبث والفساد والاستهتار في إنجاز معاملات المواطنين، وذلك نتاج بيئة ادارية وسياسية واجتماعية، وغياب الثقافة القانونية والمساءلة. وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن « أردن رقمي» و«الاتمتة»، والاستغناء عن الورق في التعاملات بحلول عام 2020، مطلوب ترسيخ ثقافة أخلاقيات الوظيفة العامة في المجتمع! ومن يضطر للتعامل مع الجهاز الوظيفي، يكتشف حجم الخراب والاستهتار والتعقيدات، التي تصل في بعض الحالات الى درجة «تعذيب «المواطن وإيصاله الى حافة الجنون دون مساءلة! وقد لمست ذلك شخصيا في الاونة الأخيرة!
وفيما يتعلق بالمساق الثاني المقترح «ثقافة المرور»، فلا يخفى على أحد الوضع الكارثي للحالة المرورية، وخاصة في العاصمة عمان والارتفاع الكبير في نسبة حوادث السير، وما ينتج عنها من خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية، وحسب تقرير مديرية الامن العام لعام 2016، وقع في المملكة «10835» حادثا مروريا، نتج عنها 750 وفاة وإصابة 17435 شخصا، وبكلفة 323 مليون دينار!
النقطة الاولى في أزمة المرور، تتعلق بغياب منظومة نقل عام محترمة! وما يسببه ذلك من ارتفاع هائل في عدد السيارات الخاصة التي تزدحم بها الشوارع والساحات، وثمة خلل واضح في البنية التحتية يتمثل برداءة شبكة الطرق، لكن ذلك ليس المشكلة الوحيدة في هذا المجال، إذ يكتمل المشهد بغياب ثقافة مرورية لدى المواطن، سواء من يقودون المركبات أو المشاة، فهناك تناقض واضح بين المبادئ الاساسية، لقواعد المرور التي تختصرها المقولة المعروفة «السواقة.. فن، ذوق، أخلاق»، وببساطة يمكن لمس ذلك من خلال سلوكيات عدد كبير من السائقين، سواء في السرعة الزائدة والتجاوزات الخاطئة، أو الاصطفاف المزدوج والتشحيط واستخدام الهواتف النقالة خلال السياقة، أو التصرف المزعج وغير الاخلاقي أحيانا عند الاشارات الضوئية.
الخلل لا ينحصر بمن يقودون السيارات، فهناك أخطاء يرتكبها المشاة خلال سيرهم على الأرصفة، أو قطع الشوارع وعدم الالتزام بالاماكن المخصصة لذلك، وأحيانا يلاحظ أن بعض المشاة يقطعون شارعا مزدحما بحركة المرور، في أماكن غير مخصصة للمشاة ويخاطرون بحياتهم والتسبب بحادث سير، في الوقت الذي يوجد جسر مشاة قريب منهم، بمسافة عشرات الامتار.. القضية.. تتعلق بالثقافة والتربية!
عن الرأي