بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
تؤكد الاحداث التي تشهدها المنطقة من حين الى اخر ، بانها مرشحة للبقاء أسيرة سيناريوهات خارجية تستهدف اضعافها وتقسيمها وتوزيعها الى مناطق نفوذ بين القائمين على اعداد هذه السيناريوهات من الاطراف الدولية المؤثرة والفاعلة في الساحة العالمية ، والتي على ما يبدو انها تستغل نقاط الضعف التي فرضت نفسها في المشهد الإقليمي ، ممثلة بالتعقيدات الجغرافية والحدودية والسكانية والمذهبية والطائفية والقومية والعرقية ، المسؤولة عن حالة الفوضى وعدم الاستقرار السائدة في المنطقة القابلة للانفجار في أي لحظة في ظل ما تختزنه من عوامل وأسباب كامنة كفيلة باثارة الصراعات البينية وتأجيجها . وما الحالة المأساوية التي تشهدها كل من سورية والعراق الا المثال الحي على لعنة هذه السيناريوهات الخبيثة التي تهدد امن المنطقة واستقرارها بحجة محاربة الإرهاب ، الذي مثل الأداة الشيطانية التي تم توظيفها بعناية لمواصلة استهداف دول المنطقة لحسابات مصلحية إقليمية ودولية . حتى اذا ما اقتربت ورقة الإرهاب من الحسم على وقع ما يشاع عن محاصرته وقرب هزيمته ، بدأ الاعداد للتعاطي مع الورقة الكردية ممثلة بالاستفتاء الذي شهده إقليم كردستان العراق الأسبوع الماضي ، تمهيدا للانفصال والاستقلال عن الدولة العراقية لتبقى المنطقة ـ كما يرى البعض ـ غارقة في الفوضى والاضطرابات الى ابعد حد ممكن ، وبطريقة تتوافق مع ما خطط لها من ترتيبات في دوائر خارجية . ما قد يفسر او يوضع في اطار مشاريع التقسيم والفدرلة للمنطقة من خلال اثارة النزعات الانفصالية لدى القوميات المختلفة .
وبغض النظر عن الموقف من الاستفتاء الذي شهده إقليم كردستان ، فقد كان اللافت إصرار زعيم الإقليم مسعود بارزاني على الذهاب الى هذه الخطوة رغم الاعتراضات الداخلية والإقليمية والدولية ، بما في ذلك الولايات المتحدة المتهمة بانها حرضت الاكراد على الانفصال باعتبارة امرا واقعا ، وانها باركت انتزاع الاكراد لمنطقة كركوك النفطية ، مكافأة لهم في محاربة تنظيم داعش . حيث كانت تميل هذه الجهات المعارضة للاستفتاء الى الحوار ما بين بغداد واربيل . فقد تم طرح مبادرة دولية تقضي العدول عن الاستفتاء وتشجيع الوصول الى اتفاق لاجراء مفاوضات حول الملفات العالقة مثل الانفصال ، والمناطق المتنازع عليها ، وحصة الإقليم في الموازنة الاتحادية وتصدير النفط مباشرة دون الرجوع الى الحكومة المركزية ، وصولا لتحديد شكل العلاقة المستقبلية بين الطرفين . وهو ما رفضه بارزاني الذي كان يمسك بالاستفتاء حفاظا على حقوق الاكراد ، وكونه يرى بان العراق اصبح دولة طائفية مذهبية ، وكتفويض شرعي لتعزيز موقفه التفاوضي وتقويته ( بعد الاستفتاء) حيال تلك الملفات وغيرها ، خاصة موضوع انفصال المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإقليم والمناطق المتنازع عليها . إضافة الى من يعتقد بان البارزاني يريد من اجراء الاستفتاء البقاء في السلطة وتكريس نفسه زعيما كرديا قاد الإقليم الى الاستقلال ، وان الاستفتاء بمثابة ورقة كردية لإقامة دولة كونفدرالية ديمقراطية ، وبنفس الوقت لفت انظار العالم الى ضرورة حل المسألة الكردية .
الامر الذي تمت معارضته بشده من قبل الدولة العراقية ، التي رفضت الاعتراف بالاستفتاء لعدم شرعيته ، والذي قد يجرها الى التقسيم ويهدد العملية السياسية فيها . ما دفعها للتهديد بفرض سلطاتها على كافة مناطق الإقليم بحكم الدستور والقانون ، وباستعادة السيطرة على المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط خاصة في شمال كركوك ، وحصر الصفقات النفطية مع الحكومة العراقية ومنع التعامل التجاري مع إقليم كردستان ، ونشر قوات في المناطق المتنازع عليها لمنعها من الانضمام الى الإقليم . إضافة الى معارضة دول الإقليم كتركيا وايران وسورية اجراء الاستفتاء الذي يمهد للانفصال خشية ان يؤدي الى اثارة النزاعات الانفصالية لدى الأقلية الكردية فيها ، بصورة قد تهدد امنها القومي ، او ان يتحول الإقليم الى بؤرة نفوذ بيد اطراف خارجية عدوة كأسرائيل مثلا واستخدامها في تهديد امن دول الإقليم واستقرارها . كذلك فقد عمدت هذه الدول الى اجراء مناورات عسكرية مشتركة ، وهددت بشن عمليات عسكرية مشتركة أيضا ، وباغلاق حدودها والمعابر التجارية ومنع مرور النفط من اراضيها وتعليق حركة الطيران مع الإقليم ومحاصرته وعزله وغيرها من الإجراءات الصارمة .