ماهر ابو طير
لن يرتاح العراق ابدا، وبعد أيام فقط، من انتهاء معركته، الى حد كبير، مع داعش، يقف العراق امام معركة جديدة، معركة انفصال الاكراد، وتصويتهم على الانفصال- الاستقلال، في الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
مؤشرات الانفصال، كانت قديمة جدا، وليست جديدة، وإذا وافق الاكراد على الانفصال، وهو امر متوقع، فأن العراق سيجد نفسه امام احتمالات خطيرة جدا، اما التجاوب مع قرار الانفصال، بما يعني تغير خارطة العراق، والتوطئة، لنشوء دولة كردية، قد يكون لها صلة لاحقا، بمشاريع الاكراد في ايران او تركيا او سوريا، والتوطئة أيضا، لاحتمالات انفصال السنة، في غرب العراق، او اننا سنجد انفسنا امام سيناريو مواجهة دموي، بين بغداد الرسمية، والاكراد في مناطق العراق، وهو امر متوقع، ولايمكن منعه.
أيا كانت السيناريوهات المقبلة، فأن اللافت للانتباه، هنا، ان هناك قرارا دوليا، غير معلن، بأن لايستقر العراق، ولو اريد للعراق الاستقرار، لكان مسار العراق بعد عام 2003 مختلفا تماما، لكن الاكراد من جهة، والجهات الحاضنة لهم من جهة أخرى، انتظروا حتى تفرغ بغداد الرسمية، من معركة داعش، ليتم الدخول في معركة الانفصال، وهي معركة مكلفة بشكل كبير، وربما كلفتها أكبر بكثير، من كلفة مواجهة الإرهاب.
هذه أيضا، احدى نتائج نموذج الدولة العربية الشمولية، ذات الهوية القومية، وهو نموذج رأيناه في فترة صدام حسين، وهذه الهوية القومية، ضغطت بقية الهويات، واضطهدتها، ولم تراع أي خصائص، لبقية الهويات، وقد قيل مرارا اننا بحاجة في العالم العربي، الى دولة بهوية سياسية جامعة، تجعل كل المكونات متساوية، على أساس المواطنة، بدلا من تعريف الدولة، بدولة قومية للعرب، تعيش فيها بقية المكونات، بشكل ثانوي، وتعاني، من اجل اقناع المركز، لاصدار صحيفة أسبوعية، بلغة قومية أخرى، على الرغم من كون الامر عاديا، لدى أي دولة متفتحة، ترى في بقية خصائص مكوناتها، تنوعاً كبيرا، يصب لصالح قوة الدولة.
ترسيمات خرائط المنطقة، كانت سببا في الأساس، في مشاكل اليوم، فالاكراد لم يعيشوا مواطنين، كما يجب في الدول القومية، ذات الأحزاب الشمولية، ولم يكن لهم أيضا، كيانا واحدا بهوية قومية كردية واحدة مشتركة وممتدة، ولايمكن ان نقرأ مشهد اكراد العراق اليوم، بمعزل عن موروث التقسيم، والالغام التي تم زرعها مسبقا، في هذه الخرائط، إضافة الى مافعلته الأنظمة القومية، ضد بقية المكونات، القومية او الدينية بذرائع مختلفة.
الكل يدرك اليوم، الحاضنة الإسرائيلية لتطلعات الاكراد، من جهة، وكلفة الموروث التاريخي، للمعاناة تحت مظلة أحزاب قومية شمولية، كما في العراق، ومعادلة الانفصال المرتبطة فعليا، بإعادة رسم المنطقة، والتهيئة لخرائط جديدة، كما لابد ان نعترف ان توتير العراق، بعد إطفاء المواجهة مع داعش، مرتبط بضرب المشروع الإيراني، الذي يظن انها بدأ يتمدد بشكل افضل، بعد مواجهة السنين الفائتة، وهذا يعني فعليا، ان تحريك ورقة الاكراد في الوقت الحالي، يراد منها اكثر من هدف، ابرزها إعادة خلط الأوراق في وجه الإيرانيين والأتراك، والتهيئة لما هو اخطر، ولايشعر الاكراد في الأساس، انهم مجرد أداة، بقدر كونهم، يطابقون بين تطلعاتهم، والمشاريع في المنطقة، للخروج بما يريدون.
كل تصريحات رئيس الحكومة العراقية، ضد استفتاء الاكراد، والتلويح بقوة الجيش العراقي، والميليشيات المقاتلة، لمنع الانفصال، وكل تصريحات الرموز الكردية، ضد بغداد، وصراع النفط، والأعراق الأخرى، في بعض مناطق الاكراد، لن يأخذنا الا الى نتيجة واحدة، مقصودة، دوليا وإقليميا، أي انفجار لغم جديد في وجه العراق التاريخي، والمنطقة، بما قد يستدرج العراق، وإيران وتركيا والنظام السوري، وكل المنطقة الى حرب جديدة.
عن الدستور