بقلم: ماهر أبو طير
كل التحذيرات من تحول حرب غزة إلى حرب
إقليمية، لم تعد مناسبة اليوم، لأن الحرب تحولت فعليا إلى حرب إقليمية، وان كانت
بدرجة منخفضة، ولم تتوسع بشكل كبير في كل الإقليم.
اليكم هذه المؤشرات، حرب في غزة،
ومواجهات عسكرية متصاعدة في الضفة الغربية، تتوازى معهما عمليات عسكرية متصاعدة
جنوب لبنان، وعمليات عسكرية في اليمن ضد السفن، ونحو إسرائيل، ترد عليها الولايات
المتحدة وبريطانيا بعمليات قصف، وعمليات قصف في العراق ضد الأميركيين تقوم
الولايات المتحدة بالرد عليها، وعمليات قليلة جدا من الجبهة السورية أيضا، وعمليات
قصف إسرائيلية ضد سورية في مواقع مختلفة أيضا ولاعتبارات متعددة.
نحن نتحدث عن 5 جبهات بدرجات مختلفة،
فلسطين، لبنان، سورية، العراق، اليمن، ثم يأتي البعض ليواصل التحذير من حرب
إقليمية، وهذا تحذير كان يصلح سياسيا قبل شهر أو أكثر، اما اليوم فهو غير مناسب
للواقع خصوصا، مع استمرار الحرب في غزة، والتهديدات المتواصلة بالرد من كل الأطراف
التي تشتبك مع بعضها البعض في هذا المشهد العسكري المعقد جدا.
حتى الآن لا تريد الولايات المتحدة
الانزلاق نحو حرب اقليمية بدرجة أعلى ومفتوحة وبمشاركة عدد أكبر من الأطراف، لكن
هذا الأمر لم يعد مضمونا، لاننا أمام ما يجري قد نشهد عدة احتمالات، من بينها توسع
الحرب في اليمن، عبر البحر الأحمر وبحر العرب، بشكل مختلف تماما، ولا أحد يضمن
ردود فعل الأميركيين ولا البريطانيين ولا الإسرائيليين ولا اليمنيين أيضا، ولا حد
أيضا لقدرة هذه الأطراف على توسعة الحرب، ويضاف إلى ذلك المخاوف من جر المنطقة إلى
حرب إقليمية بدرجة أكبر عبر مضيق هرمز، أو الخليج العربي، خصوصا، اننا شهدنا سابقا
اعتداءات في هذه المناطق، ويضاف إلى ما سبق احتمالات حدوث تصعيد من جبهات أقرب إلى
إسرائيل من خلال العراق تحديدا بواسطة فصائل مثل الحشد الشعبي، انتقاما لصالح
الحوثيين وضد الأميركيين، وهذا أمر محتمل، ومع كل هذا التصعيد المتواصل جنوب
لبنان، والذي لا يضمن أحد حتى الآن توقفه أو تبريد حرارته وفقا لما نراه من
مواجهات يومية.
دمشق الرسمية وحدها الأقل حدة وسط هذا
المشهد، وربما لم يتحدث الرئيس السوري عن فلسطين الا في القمة العربية الإسلامية
التي تم عقدها بدايات الحرب، وتفسير الصمت هنا يعود إلى موقف دمشق من حماس ربما
التي غادرت سورية بعد انفجار الربيع العربي، ويعود أيضا إلى عدم قدرة دمشق الرسمية
لتحمل كلف التصعيد فوق ما في سورية من أزمات ومشاكل، وربما رغبة من دمشق بتخفيف
الموقف الدولي ضدها والعقوبات التي تتحملها.
في كل الأحوال لم نعد أمام ثنائية
فلسطينية إسرائيلية، بل ان جبهات عدة باتت مفتوحة، والقراءات الاسرائيلية
الاميركية لهذه الجبهات لن تقف عند حدود تداعيات حرب غزة، بل ستقرأ كلفة هذه
الجبهات على المحور الإسرائيلي الأميركي بشكل إستراتيجي، بما يجعلها تتوقف مطولا
عند هذه الاخطار، وتقوم بجدولة الاخطار لمعالجتها لاحقا، وقد تتورط من حيث لا
تحتسب في حرب اقليمية أعلى درجة من المواجهات الحالية، وهي حرب ستقود كل المنطقة
إلى جهنم الحمراء على صعيد الاستقرار، والحياة، وتدفق النفط، والملاحة، وأسعار
السلح.
وتبقى الحقيقة الأبرز هنا ان كل
الجبهات المفتوحة في لبنان، سورية، العراق، اليمن، على صلة مباشرة بإيران، مما قد
يأخذ الولايات المتحدة إلى حوار مع الأم الحاضنة هنا، لوقف هذه المهددات، بدلا من
الحل الذي ننتظره أولا، أي وقف الحرب في غزة، واعطاء الفلسطينيين حقوقهم، وحتى يتم
حسم النهايات، علينا ان نراقب خط التصعيد البياني، فنحن وسط حرب إقليمية مصغرة،
ترتفع درجات حدتها يوما بعد يوم، بما قد يقودنا إلى الحرب الإقليمية الواسعة.
عن الغد