الدكتور تيسير الفتياني
يعتبر الحج فريضة ثبتت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، لقوله تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، وقوله: (بني الإسـلام على خمـس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمـدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكـاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام.)
وللوقوف على المعنى الفقهي لفريضة الحج، وفضله وحكمه في الشريعة الإسلامية نبين ما يلي:
فالحج هو قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص؛ استجابة لأمر الله وابتغاء لمرضاته.
وحكمه: فرض من الفرائض واحد أركان الإسلام الخمسة وهو معلوم من الدين بالضرورة، فمن أنكر وجوبه يكفر ويرتد عن الإسلام.
ودليله: قوله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله" وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "يا أيها الناس كتب عليكم الحج" رواه أحمد.
و يعتبر الحج من أفضل الأعمال لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال: "ثم جهاد في سبيل الله" قيل ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم ويرجع من حجه زاهدا في الدنيا راغباً في الآخرة ويطعم الطعام ويلين في الكلام، ومن فضله أنه يمحق الذنوب لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" رواه البخاري ومسلم ولقوله صلى الله عليه وسلم "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" رواه النسائي.
ومن فضله أن ثوابه الجنة لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه البخاري ومسلم.
ومن فضله أن النفقة فيه بسبعمائة ضعف وذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ضعف" رواه أحمد.
ويجب الحج على من توفرت فيه الشروط التالية:-
1. المسلم 2. الحر 3. المكلف 4. القادر.
و الحج على المسلم القادر يجب عليه مرة واحدة في العمر لقوله صلى الله عليه وسلم "الحج مرة فمن زاد فهو متطوع" فمن كملت له الشروط وجب عليه الذهاب إلى الحج، واختلف العلماء هل هو على الفور أم على التراخي؟ فذهب فريق من العلماء على أن الحج يجب على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم "من أراد الحج فليعجل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة" رواه أحمد. وقوله صلى الله عليه وسلم "تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" رواه أحمد. وتبنى هذا الرأي أبو حنيفة ومالك وأحمد.
وذهب الفريق الثاني إلى أن الحج واجب على التراخي فيؤدى في أي وقت من العمر، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر الحج إلى السنة العاشرة من الهجرة وكان معه أزواجه وكثير من أصحابه فلو كان واجباً على الفور لما أخره صلى الله عليه وسلم، وحملوا أحاديث الفورية على الندب وليس الوجوب، إلا أنه يستحب تعجيله والمبادرة إليه متى استطاع المسلم أداءه، وبهذا قال الإمام الشافعي والثوري والأوزاعي.
والمستطيع هو القادر بدنياً على الحج ووجد الزاد والراحلة الصالحة لمثله كالسيارة والطائرة لقوله تعالى "من استطاع إليه سبيلا" وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة".
ويكون المستطيع مستطيعاً بعد قضاء الواجبات والنفقات الشرعية والحوائج الأصلية من الديون حالـّة أو مؤجلة والزكوات والكفارات والنذور وبعد النفقة له ولعياله على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة وبعد الحوائج الأصلية من كسب ومسكن وخادم ولباس يليق به وغطاء ووطاء ونحو ذلك.
ولا يصير مستطيعاً إذا تبرع غيره له، ويعتبر أمن الطريق من الاستطاعة بأن يتوفر فيه الماء وحاجة الراحلة كمحطات الوقود والوقت الكافي للسير فيه كعادة الناس وأن يأمن الحاج على نفسه وماله فلو خاف على نفسه من قطاع الطرق أو الوباء كمرض الكوليرا أو أنفلونزا الخنازير أو غيرها، أو خاف على ماله من أن يسلب منه، فهو ممن لم يستطع إليه سبيلا، ولا يعتبر مستطيعا إذا كانت تكلفة رحلة الحج كبيرة، فيؤخذ من الحاج الرسوم الباهظة أو الأجرة المرتفعة.
والإمام الشافعي رحمه الله يعتبر أن أي مبلغ يؤخذ من الحاج كثيراً كان أو قليلاً مسقطاً للحج وأما الإمام مالك فيشترط أن تكون الرسوم مجحفة ويتكرر أخذها بسبب أو بدون سبب.
وأما حج الصبي فإنه لا يجب عليه لكن إذا حج صح حجه ولا يجزيء عن حجة الفريضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أيما صبي حج ثم بلغ الحنث، فعليه أن يحج حجة أخرى" رواه الطبراني بسند صحيح. ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر".
والصبي إن كان مميزاً أحرم بنفسه وأدى مناسك الحج وإلا أحرم عنه وليه ولبى عنه وطاف به وسعى ووقف بعرفة ورمى عنه.
وتقبل الله من الجميع حجهم وأعادهم الى ديارهم سالمين غانمين.