بقلم: د. تيسير الفتياني
الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه و سلم مؤمناً به و مات على ذلك ، و يجب على المسلم أن يعتقد أنهم أفضل الأمة و خير القرون ؛ لسبقهم و اختصاصهم بصحبة النبي صلى الله عليه و سلم و الجهاد معه و تحمل الشريعة عنه ، و تبليغها لمن بعده .
و قد أثنى الله عليهم في محكم كتابه فقال : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
و في آيات أخرى وصف الله الصحابة بالتراحم في ما بينهم و الشدة على الكفار ، و وصفهم بكثرة الركوع و السجود و أنهم يعرفون بسيما الطاعة و الإيمان و أن الله اختارهم لصحبة نبيه ليغيظ بهم أعداءه الكفار ، قال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً )
وو صف الله المهاجرين بترك أوطانهم و أموالهم من أجل الله و نصرة دينه و ابتغاء فضله و رضوانه و أنهم صادقون في ذلك ، و وصف الأنصار بأنهم أهل دار الهجرة و النصرة و الإيمان الصادق ، و وصفهم بمحبة إخوانهم المهاجرين و إيثارهم على أنفسهم و مواساتهم لهم و سلامتهم من الشح و بذلك حازوا على الفلاح ، قال تعالى ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ))
رضي الله عنهم و أرضاهم و رزقنا حبّهم و الثناء عليهم و حسن الظن بهم فعلى المسلمين الصادقين أن يمسكوا عن الكلام فيما حصل بين الصحابة ويكفوا عن البحث فيه . لأن طريق السلامة هو السكوت عن مثل هذا امتثالا لقوله تعالى (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وبعد تدقيق الآثار المروية عنهم ودراستها دراسه علمية تبين أن هذه الآثار منها ماهو كذب قد افتراه أعداؤهم ليشوهوا سمعتهم وأن هذه الآثار قد زيد فيها ونقص وغير عن وجهه الصحيح ، ودخله الكذب ، فهو محرف لا يلتفت اليه ، وأن ما صح من هذه الآثار وهو قليل يعذر الصحابة فيه ، لانهم اما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطؤون ، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد والخطأ مغفور.وأنهم بشر يجوز على أفرادهم الخطأ ، فهم ليسوا معصومين ،وما وقع منهم فله مكفرات عديده ، فقد يكون تاب منه ، والتوبه تمحو السيئة مهما كانت ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم ، فالحسنات يذهبن السيئات، ولهم من الصحبة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يغطي الخطأ الجزئي ، وتضاعف لهم الحسنات أكثر من غيرهم ولا يساويهم أحد في الفضل ، وقد ثبت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون وأن المد من أحدهم اذا تصدق به أفضل من جبل أحد ذهبا، اذا تصدق به غيرهم ، فرضي الله عنهم وأرضاهم. فالذي يتخذ مما وقع بين الصحابة من الفتة والاختلاف والاقتتال للوقيعة بهم والنيل من كرامتهم يعتبر عدوا لله ولرسوله ، وقد جرى على خطى هذا المخطط الخبيث من بعض الكتاب المعاصرين الذين جعلوا انفسهم حكما وقضاة بين أصحاب رسول الله يخطؤونهم بلا دليل ، بل بالجهل واتباع الهوى وترديد ما يقوله المغرضون والحاقدون من المستشرقين وأذنابهم ليشككوا بعض الناشئة ومن ثقافتهم ضحلة بتاريخ أمتهم المجيد ، وسلفهم الصالح الذين هم خير القرون ، وهدفهم الطعن في الاسلام وتفريق كلمة المسلمين والقاء البغض في قلوب آخر هذه الأمة لأولها بدلا من الإقتداء بالسلف الصالح.