د. هايل ودعان الدعجة
ما يميز النهج الأردني القدرة على تحصين المشهد الوطني من أي اختراقات او تحديات عبر وضع بنى تحتية إصلاحية تكون قادرة على احتواء المتغيرات والمستجدات والتحديات واستيعابها بصورة تلقائية . وما اللامركزية ( مجالس المحافظات ) التي سيعلن عن انطلاقها رسميا في الخامس عشر من الشهر الحالي ، الا احد هذه البنى الديمقراطية الحضارية التي تندرج في اطار المشروع الوطني الإصلاحي الذي يهدف الى تفعيل المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام ، بوصفها أداة تنموية واستثمارية وخدمية تسعى الى خلق بيئة محلية تسهم في تحقيق التنمية المستدامة . وهي بذلك ومن خلال هذا الدور تعمد الى تنمية روح المواطنة والحس بالمسؤولية والولاء والمشاركة الفاعلة في إدارة شؤون الدولة ، باتاحتها وتهيئتها الظروف والأجواء المناسبة لتنمية قدرات المواطن وامكاناته في ادراك وتحديد مشاكل واحتياجات المجتمعات المحلية بوضوح ، في مقابل تنمية قدراته أيضا في تهيأة وتعبئة الإمكانات المتاحة لمواجهة هذه السلبيات . وهنا تتجلى رسالة اللامركزية من وراء تفويضها صلاحيات الإدارة المركزية الى الإدارات المحلية ، وتحديد الأولويات والاهداف الاستراتيجية للمحافظة تنمويا وخدميا واستثماريا ، والمشاركة في وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتحقيق الاستجابة لهذه الاحتياجات . ترجمة لغاية اللامركزية في تحقيق التنمية المحلية الشاملة ، واشراك المواطن في القرار التنموي والإسراع في إقرار المشاريع والخطط اللازمة ، وفقا للأولويات التي يحددها هذا المواطن . في تأكيد مرة اخرى على أهمية دوره في وضع الأولويات والاحتياجات والمشاريع التي تحتاجها المنطقة التي يقطنها ، وبما يعزز من دور مجالس المحافظات في إعادة توزيع مكتسبات التنمية في المجتمعات المحلية بعدالة ومساواة ، وبالتالي الحد من الفروقات التنموية والخدمية بينها .
وامام هذه التطلعات التنموية النوعية في مسار مسيرتنا الإصلاحية ، وبعد الخطوات التوعوية والتثقيفية بأهمية مجالس المحافظات والدور المنوط بها ، التي قامت بها الهيئة المستقلة للانتخاب والجهات ذات العلاقة ، وان جاءت متأخرة نوعا ما ، يصبح من الواجب على المواطن الأردني التعاطي المسؤول مع هذا الاستحقاق الوطني ، باختيار أصحاب الكفاءات والمؤهلات والاختصاصات القانونية والادارية والاقتصادية والاستثمارية والخدمية والمالية والمحاسبية والهندسية وغيرها من الاختصاصات المطلوبة لانجاح هذه الخطوة الإصلاحية ، والكفيلة بترجمة هذه التطلعات الى واقع معاش في المجتمعات المحلية ، بعيدا عن الاعتبارات الشخصية والمصلحية والمالية وبما يحقق مصلحة الوطن ، وحتى لا نفوت هذه الفرصة التنموية الثمينة في الارتقاء بمستوى الخدمات والاستثمارات والمجالات التنموية في محافظاتنا .
مع التأكيد هنا بان التحدي الذي قد يواجه هذه التجربة الجديدة تتمثل في تاريخ اجراء انتخابات مجالس المحافظات ، والتي سيتبعها بعد ذلك تشكيل هذه المجالس وانتخاب الرؤساء ونوابهم ومساعديهم ، ونحن نقترب من اعداد الموازنات التي تحتاج الى إقرار من قبل مجالس المحافظات التي تشكلت للتو ، ما يضع الأعضاء الجدد امام معضلة كيفية التعاطي مع هذه المهمة وغيرها من المهام ممثلة بتحديد الأولويات والمشاريع والاحتياجات التي تحتاجها المحافظات التي يمثلونها ، وتضمينها مشروعات الخطط التنفيذية والاستراتيجية ودليل احتياجات المحافظات وضمان وجود المخصصات المالية اللازمة . ما يجعلنا نطالب بضرورة عقد ورش ودورات تدريبية وتأهيلية مكثفة لاعضاء مجالس المحافظات الجدد ، للتغلب على هذه الإشكالية وليكونوا بصورة الاليات الواجب اتباعها لتفعيل ادوارهم في خدمة المجتمعات المحلية التي يمثلونها ، وبما يعزز من ثقة المواطن بفكرة اللامركزية .