بقلم: د . هايل ودعان الدعجة
مرة أخرى تثبت الدبلوماسية الأردنية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني نجاحها وتأثيرها في اجندات دوائر صنع القرار الدولي ، وما يرافق هذه الاجندات من سياسات ومواقف تعكس توجهات الدوائر الدولية الفاعلة حيال القضايا والملفات التي تشهدها الساحتين الإقليمية والعالمية ، حيث اثمرت الجهود الملكية المكثفة عن إيجاد قنوات من التعاون والتنسيق مع كل من اميركا وروسيا قادت الى اتفاق أميركي روسي اردني حول وقف اطلاق النار في جنوب غرب سورية ، بعد توافق هذه الأطراف على مذكرة تفاهم في عمان لاقامة منطقة (أمنة / خفض تصعيد) تشمل درعا والقنيطرة والسويداء . في إشارة الى حضور الأردن في كافة تفاصيل اللقاءات والمفاوضات التي قادت الى هذا الاتفاق ، ودخوله على خط الترتيبات والسيناريوهات ذات الابعاد السياسية والأمنية والجغرافية التي قد تشهدها هذه المنطقة بهدف حماية امنه وحدوده من اثار وتداعيات النيران والحرائق المشتعلة بين اطراف الصراع في سوريا بالقرب من حدوده الشمالية ، وذلك على وقع كثافة العمليات العسكرية بين هذه الأطراف بهدف فرض وقائع سياسية وميدانية جديدة ، مع وجود بوادر تشي بقرب هزيمة التنظيمات الإرهابية ، يتوقع ان يرافقها تفاهمات إقليمية ودولية على وضع ترتيبات لتسوية سياسية ممكنة في سوريا ، بعد ان سلمت الحكومة السورية وفصائل المعارضة مكرهتين اوراقهما لقوى خارجية . في إشارة الى ان الحل السياسي واستتباب الامن في سورية يمثلان مصلحة امنية اردنية .
فبالاضافة الى ما انطوى عليه الاتفاق الثلاثي من انفراجة لملف اللاجئين السوريين في الأردن بفتحه المجال امامهم للعودة الى بلادهم ، فقد عكس في الوقت نفسه حرص كل من أميركيا روسيا على تأمين حدود الأردن وحمايتها من التنظيمات الإرهابية والميليشيات الإيرانية ، حيث مثل ابعاد ايران والفصائل المسلحة والميليشيات التابعة لها وللجنسيات غير السورية عن الحدود السورية الأردنية خاصة في مناطق وسط درعا وريفها وفي منطقة الركبان القريبة من البادية الأردنية اهم اهداف هذا الاتفاق . كذلك فان الولايات المتحدة تسعى الى افشال مشروع ايران ، التي تحاول فتح طريق بري من حدودها الى لبنان يربطها بالبحر المتوسط ، وذلك من الحدود العراقية عند معبر التنف في المثلث الحدودي الأردني السوري العراقي لايجاد نقطة جغرافية تلتقي عندها الميليشيات الإيرانية التي تقاتل في العراق مع تلك التي تقاتل في سوريا ، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منع حدوثه من خلال منع هذه الميليشيات من التواجد في المنطقة الممتدة من القنيطرة الى درعا وريف السويدا وصولا الى معبر النف الذي يمثل بالنسبة لاميركا خطا احمر . ما يفسر الضربات الأميركية والتحالف الدولي لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية والشيعية التي حاولت الاقتراب من هذه المنطقة . مع التأكيد بان مهمة ايران في تأمين طريق الى البحر المتوسط ستكون صعبة من الجهة السورية من الحدود ، رغم سهولة حركتها من الجهة العراقية التي تسيطر عليها قوات الحشد الشعبي بين نينوى والحسكة . دون ان نغفل السعي الأميركي من هذا الاتفاق الى الحفاظ على الترتيبات الأمنية في مناطق سيطرة المعارضة في جنوب غرب سورية ومنع قوات النظام السوري من السيطرة عليها، الامر الذي قد يضع سورية في دائرة التقسيم .
من هنا يمكننا القول بان الاتفاق الأميركي الروسي الأردني ، قد يشكل نقطة تحول هامة وربما حاسمة في ملف الازمة السورية بعد الانخراط الأميركي الواضح في هذا الملف، والذي كان محل ترحيب روسيا التي تكرست لديها القناعات بعدم إمكانية حل هذه الازمة الا بالتعاون مع الولايات المتحدة ، حتى لا تتورط أكثر في المستنقع السوري ، وبنفس الوقت توظف حضورها الفاعل في الساحة السورية كورقة تفاوض مع الجانب الأميركي حول مناطق النفوذ في سوريا ( وربما المنطقة ) والولوج ايضا الى تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية الغربية عليها على خلفية الخلافات والتوترات القائمة بين الطرفين في ملفي القرم وشرق أوكرانيا . ما يعني ان الاتفاق الثلاثي قد يشكل مخرجا لكافة الأطراف المتصارعة ، وقد يسهم في إيجاد تفاهمات وتوافقات أميركية روسية على مناطق النفوذ في المنطقة ، إضافة الى احتمالية ان يساهم بابعاد النظام السوري من النفوذ الإيراني ، بعد ان تمكن من كف يد بعض الأطراف الإقليمية كتركيا وايران من التعاطي مع المنطقة الحدودية السورية الأردنية كما جاء بالاتفاق .