حسين الرواشدة
هذا السؤال اثير مؤخرا في غروزني عاصمة الشيشان، هناك اجتمع نحو (200) من العلماء المسلمين بدعوة من الرئيس الشيشاني ( رمضان قديروف) لتداول الموضوع والاجابة عليه، ثم اصدروا بيانا ذكروا فيه ان المقصود باهل السنة والجماعة هم اتباع ابي الحسن الاشعري، ( 260 - 324 هـ) ، وابي المنصور الماتردي ،( 257- 333هـ) فقط ،مما اثار ردودا مختلفة ، بعضها اثنى على البيان باعتباره تحولا مهما في سياق تصحيح المسار الاسلامي ودفع الشبهات التي الصقت بالدين ، فيما اعتبر البعض الآخر ان اختزال اهل السنة والجماعة في هذين المذهبين يتناقض مع فكرة الاسلام الجامع ومع اتفاق جمهور الامة على وحدة مذاهب الامة ، كما رأى آخرون ان المسألة لا علاقة لها بالدين وانما جرى توظيف المؤتمر لاهداف سياسية في اطار الصراع الذي يدور في المنطقة وعليها.
حين استعرضت اسماء المشاركين ومواقفهم ، وجدت ان بعضهم كان متحمسا للموضوع على طول الخط ، وهؤلاء اما انهم ينتسبون - عقائديا- لاحد هذين المذهبين او انهم يتحدثون باسم الدول والمؤسسات التي جاءوا منها او ان لديهم خصومة مع اطراف محددة داخل الاطار الاسلامي ، وجدت ثانيا ان آخرين استدرجوا للمشاركة في المؤتمر او وقعوا في “فخ” الاغلبية التي حضرت واصدرت البيان ، وجدت ان فريقا ثالثا لا علاقة له بالموضوع ، وهؤلاء من فئة “مقاولي” المؤتمرات الذين قلما ينعقد مؤتمر يتناول الاسلام الا وكانوا مشاركين فيه ، وبالتالي فانهم جاهزون لتبني اي فكرة والتوقيع على اي بيان.
عدت الى اصل موضوع اهل السنة والجماعة فوجدت ان المصطلح لم يكن معروفا في صدر الإسلام، حيث لم تكن هناك طوائف واضحة و بالتالي أشير لعموم المؤمنين بدين الإسلام باسم “المسلمين”، وإنما بدأت التسمية تنتشر في منتصف العصر العباسي، 1054م بعد سقوط الدولة البويهية على يد السلاجقة وانتشارالمدارس النظامية في كبرى الحواضر الإسلامية، للتفريق بين السنة والشيعة التي بدأت تسميتها بعد مقتل علي بن أبي طالب على يد الخوارج من أهل الكوفة ، وجدت ايضا ان المقصود بمصطلح أهل السنة والجماعة كما هو سائد في التصنيفات والادبيات الفكرية الاسلامية هم الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث والصوفية؛ لأنهم هم الذين التزموا بما كان عليه الرسول والصحابة والتابعين والسلف الصالح، لم يبدلوا ولم يغيروا كما فعل غيرهم ،ويعتمد اصحاب هذا التصنيف على وصف النبي عليه السلام الفرقة الناجية بأنهم السواد الأعظم من الأمة، إذ هم غالب أمة الإسلام، والمنفي عنهم الاجتماع على الضلالة بنص الحديث المشهور: لا تجتمع أمتي على الضلالة.
السؤال لماذا تم استدعاء هذا “المبحث” التاريخي الان ، ثم هل كان استدعاؤه في مصلحة الامة التي تعيش اسوأ مراحلها التاريخية ؟ الاجابة بالطبع يمكن فهمها في سياقين : الاول يتعلق بالمكان الذي انعقد فيه المؤتمر والجهة التي دعت اليه واشرفت على رعايته ، السياق الثاني يتعلق بتوقيت عقد المؤتمر والاطراف التي شاركت فيه ثم الاخرى التي لم تدع اليه، حين ندقق في هذين الساقين معا نكتشف ان “النوايا” ناهيك عن الاهداف التي لخصتها رسالة المؤتمر لم تكن بريئة تماما ، في تعبر عن اصطفاف من داخل اطار الدين ( واهل السنة تحديدا) للانحياز الى مواقف سياسية محددة، ومواجهة تيارات اخرى ( السلفية تحديدا) تتبناها دول معينة، وكلها في المجمل تعكس مدى ما وصلنا اليه من شرذمة وتية ، ومن صراعات على تخوم المذهب والطائفة ، ومن تحالفات جرى استخدام الدين فيها كصاعق تفجير بدلا من ان يكون عاملا للتهدئة والتوافق ولم شمل الامة.
حين بحثت - بعيدا عن الانحياز لاي طرف - عن اجابة ( ان شئت حلا) للسؤال الذي انشغل به بيان الشيشان لم اجد افضل مما صدر هنا في عمان عن المؤتمر الاسلامي الدولي ( تموز 2005) حيث اجتمع ايضا اكثر من 200 عالما من مختلف المذاهب الاسلامية وخرجو بافضل رد على هذا السؤال ، جاء فيه ما يلي : إنّ كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى فضيلة شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح.
كما لا يجـــوز تكفير أيّ فئة أخــرى مـن المسلمين تؤمــن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، ثم إنّ ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير ممّا بينها من الاختلاف. فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادىء الأساسيّة للإسلام.
فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحداً أحداً، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزَّل، وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً للبشرية كافّة. وكلهم متفقون على أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت، وعلى أركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه. واختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وليس في الأصول، وهو رحمة. وقديماً قيل: إنّ اختلاف العلماء في الرأي أمرٌ جيّد.
في نهاية المؤتمر دعا المشاركون آنذاك الى مسألة اساسية وهي نبذ الخلاف بين المسلمين و توحيد كلمتهم، ومواقفهم، وإلى التأكيد على احترام بعضهم لبعض، وإلى تعزيز التضامن بين شعوبهم ودولهم، وإلى تقوية روابط الأخوّة التي تجمعهم على التحابّ في الله، وألاّ يتركوا مجالاً للفتنة وللتدخّل بينهم.
طبعا لا تحتاج المقارنة بين المؤتمرين الى اي تعليق.
عن الدستور