حسين الرواشدة
لا يوجد لدينا “سلطة “ دينية تراقب الناس وتحاكمهم على افعالهم التي تخالف الدين، فمن حق اي مواطن ان يمارس او لا يمارس عباداته الدينية وشعائره،وهذا هو الاصل، اذ لا اكراه في الدين ولا في الدنيا ايضا .
لم يحدث، ولا يجوز ان يحدث، بان اقتحم شرطي بيوت الناس لكي يضبطهم وهم يمارسون اي فعل، حتى لو كان محرما دينيا، فمن حقهم ان يفعلوا ما يشاؤون، ما دام انهم لا يجاهرون بالفاحشة ولا ينتهكون حرمة المجتمع ولا يتسببون باذى لغيرهم .
هذه بديهيات ومسلمات دينية وقانونية وانسانية ايضا، لكن لابد من التذكير بها لتوضيح الدعوات التي انطلقت في بعض منابرنا الاعلامية لتحذيرنا من “ الدواعش “ الجدد الذين يحاولون ان يسيئوا الى حريات مجتمعنا ومدنية الدولة وحقوق مواطنيها، هكذا بالضبط يقال، وكأن الذين يتجرأون على حرمة الشهر الفضيل على مرأى من الناس، او يتعمدون الاساءة لمشاعر الصائمين، او يطعمون الناس طعاما فاسدا او يقتلون الابرياء، ليسوا نسخة اخرى من الدواعش الخارجين على نظام المجتمع وقيمه ونواميسه ومشتركاته التي يفترض ان يحترمها الجميع، وان يخضع من يتجاوزها للقانون العام الذي يناط به وحده اقامة موازين العدالة .
لا اريد ان ادافع عن تجاوزات حصلت هنا وهناك، سواء في احد المطاعم المرخصة لاستقبال الزبائن في رمضان، او في احدى الرحلات السياحية للعقبة، هذه استثناءات شذت على القوانين والقيم الاردنية التي حفظت للناس حرياتهم وكراماتهم ولم تسمح لاي احد بان يسيء للاخر بحجة عدم التزامه “ الديني “، لكن ان يقال اننا امام تشكيل شرطة دينية او “مطوعة” لارغام الناس على الالتزام بالدين وزجرهم اذا تجاوزوا الحدود والاوامر، هذه استهانة بعقولنا ومحاولة لتخويفنا من الدفاع على سلامة المجتمع وامنه المرتبط دائما بالتوافق على حدود الحرية والمسؤولية، فلا حرية حين تتعارض مع مصالح الاغلبية ومشاعرها، ولا حرية حين يتعمد البعض ان يكسر القواعد التي تحظى باتفاق الاغلبية .
نحتاج هنا الى شئ من التفصيل، فالعري مثلا او ممارسة العلاقة بين الرجل والمراة خارج اطار الشرع والقانون، او الافطار في رمضان، مسائل تتدرج في قائمة الحرام الديني، لكنها ايضا تتدرج في قائمة الحق والحرية الشخصية، الفارق بين هذا وذاك هو ممارستها من حيث المكان والكيفية، اذ ان القانون ناهيك عن الدين يمنع الشخص تحت طائلة المسؤولية ان يخرج للشارع وهو عريان، حفاظا على الحياء العام، كما يضعه تحت طائلة المحسابة ان تم ضبطه في مكان عام وهو يمارس الفاحشة، هذا بالطبع ليس سلبا لحريته ولا اعتداء على حقه وانما لحماية المجتمع من انتشار الرذيلة، ومواجهة الجهر بالسوء الذي يخل بالامن الاجتماعي من خلال القانون، واعادة الاعبتار للضمير العام وللمصلحة “ الجميعة “ التي لا خلاف على انها هي الاصل المعتبر في الاخذ والقياس .
لا يوجد اي دولة في العالم، حتى التي اختارت فصل الدين عن السياسة او عن الحياة العامة تحت لافتة “ العلمانية “ الا ويوجد بها قوانين رادعة تمنع الناس من الاعتداء على حق المجتمع والنظام العام، وتعتبر ذلك جريمة تخضع للمساءلة، ولا يقال هنا بان الدولة تشكل شرطة وطنية او دينية، فمن واجب الاقلية حين تمارس حرياتها ان تحترم رغبة الاغلبية وارادتها .
لكن في بلادنا ثمة منطق علماني “ متطرف “ يريد ان يحذف الدين من الحياة العامة دون ان يراعي بان اغلبية الناس ملتزمة بالدين او تحترمه على الاقل، حتى وان اختلفت اديانهم،هؤلاء يعتقدون ان اطلاق الحريات المتعلقة “ بالانتقاص “ من الدين او بالمجاهرة بالاساءة اليه او لمشاعر المتدينين، هي الخطوة الاولى في طريق تخويف الناس من الدين، حدث ذلك حين اثيرت علاقة المناهج الدينية بداعش، وحين طرحت قضية المجاهرة بالافطار في رمضان، وحين تم الترويج لاتفاقية “ سيداو “ او لقرار الغاء الاعلام او لقضية ارث المراة، او لغيرها من القضايا المحسوبة على الاجندات القادمة من وراء الحدود عبر المنظمات الممولة من الخارج، وكلها تم ربطها بالتطرف وبداعش والارهاب، وكأن مواجهة التطرف لا تمر الا من خلال تحرير الدين من ثوابته، او الاساءة اليه، او منع مظاهره في الحياة العامة .
عن الدستور