حسين الرواشدة
يشعر المواطن في بلدنا انه “مكشوف”
الظهر تماماً، لا أحد يسمع أنينه او يصغي لصرخاته، ولا أحد يأخذ معاناته على محمل
الجد، وحين يضع يده على قضية فساد او عبث في موارد الدولة او تجاوز “فجّ” من قبل
مسؤول على صلاحياته ،يبحث عن العنوان الذي يجب ان يذهب اليه، فلا يجد سوى فضاءات
“التواصل الاجتماعي” : هنا “يبق “ الحصوة التي في فمه، وهنا يفش غله ، ثم يكظم
غيظه ويعود لممارسة اعماله كالمعتاد.
في الأسبوع الماضي انفجرت “فضيحة”
الدجاج، ابتدأت برفع الأسعار بشكل غير مفهوم ثم وصلت الى محاولة توزيع عشرات
الاطنان الفاسدة على الفقراء في عدد من المحافظات، المواطنون اكتشفوا ذلك وابلغوا
الجهات الرسمية، وكان من المتوقع ان يخرج بيان رسمي لتوضيح القضية، لكن ما حصل ان
كل جهة وجهت الاتهام للجهة الأخرى، حتى تفاجأنا بإحالة ثلاثة اشخاص الى التحقيق:
سائقين وموزع، وبالتالي طويت الصفحة بعد ان دفع هؤلاء الثلاثة ثمن “الفساد” وكفى
الله المسؤولين القتال.
حين ندقق فيما حدث نجد ان الفساد أصبح
“اوقح” مما كنا نتصور، فقد وصل الى “الدجاج” الذي كان يفترض به ان يبقى “طعاماً”
محمياً، ناهيك عن انه لا حول له ولا قوة في اقحامه بهذه المسألة ، نجد ثانيا ان
العمل الخيري الذي هو في الأصل وسيلة للتقرب من الله وزكاة للنفس من الأثرياء
للفقراء والمحتاجين قد تعرض أيضا للإصابة بهذه العدوى القاتلة، فلم يعد “المحسنون”
او من يزعمون انهم كذلك محل ثقة بعد ان ضبطوا بالجرم المشهود، نجد ثالثاً ان
القضية التي كان يمكن ان تتسبب في وفاة المئات من المواطنين لو تم توزيع “الدجاج”
لم تأخذ نصيبها من الاهتمام الرسمي، فقد تم تبرئة الشركة التي اشارت اليها أصابع
الاتهام، والصقت التهمة بأحد التجار “المحسنين”، ثم احجم المصدر المسؤول عن ذكر
اسمه او الدخول في تفاصيل ما جرى، وحين ارتفعت أصوات الناس بالانتقاد أسندت
“الجريمة” الى أشخاص تولوا نقل “الشحنة” او توزيعها، فيما ظل المسؤولون المباشرون عنها خارج التغطية
والمحاسبة ايضاً.
حين ندقق أكثر نجد ان الجدية في مواجهة
“الفساد” تراجعت وأن المقبوض عليهم من “الفاسدين” هم من صنف “الصغار” الذين تتراوح
افعالهم ما بين اخذ رشوة بمئات او عشرات الدنانير، او سرقة مواد بسيطة بحكم تولي
وظيفة ما، فيما بقيت ملفات الفساد الكبرى ومعها “الحيتان” بعيدة عن مجرد الاتهام
ناهيك عن المساءلة والمحاسبة، وبالتالي فإن موازين العدالة التي كان يفترض ان تقوم
اهتزت، ومعها اهتزت ثقة الناس بالقانون واخذوا يتسابقون الى العمل من خارجه بل
وتحديه والانتقام منه.
حين نتعامل مع جريمة بوزن “شحنة”
الدجاج التي كان يمكن ان تصيب مئات العائلات الأردنية بالأذى بمنطق الاستهانة وعدم
الاهتمام والمساءلة، يجب ان نتوقع ان ردّة فعل الناس تجاه قضاياهم ستكون بذات
المنطق، كما يجب ان نفهم “ألغازا” كثيرة ما زلنا نتناقش حولها ونبحث عن مفاتيحها:
خذ مثلا لغز عدم احترام القانون وما يترتب
عليها من حوادث قاتلة على الطرقات وفي البيوت، ولغز “الانتحار” الذي سجل معدلات
مفزعة في العام الفائت (117 حالة)، ولغز العنف الذي تمدد في جامعاتنا وشوارعنا،
ولغز انتشار “الفساد” بين الطبقات الاجتماعية والنخب حتى أصبحت ظاهرة “انهب واهرب”
قيمة عليا محترمة، ولغز التطرف الذي حوّل مجتمعاتنا الى “منتج” للظاهرة ومصدّر
لها.
من المفارقات ان قضية “الدجاج” أنعشت
روح الفكاهة لدى المواطن الأردني، كما انها ايقظت لديه الإحساس بضرورة الاعتماد
على نفسه في كشف “الفساد” الذي يهدد “قوته” بعد ان اكتشف مبكرا بأنه سُرق أمواله
وعمره وتضحياته، من المفارقات أيضاً ان “الدجاج” الذي أصبح البديل المتاح على “موائد”
الأردنيين بعد ان هاجمت دخولهم الضرائب وداهمهم غول الغلاء لم يسلم من “تجار”
الفساد، وكأن قدر الأردنيين ان يظلوا دائماً تحت مطرقة الجوع وحين تلوح امامهم
بارقة أمل من محسن لسد حاجاتهم فإنهم يقعوا تحت سندان الفساد.
بقي لدي “ملاحظة” أخيرة وهي ان قضية
“الدجاج” الفاسد تزامنت مع حلول شهر رمضان المبارك الذي يفترض ان يكون مناسبة
“للخير” والتطهر من الذنوب والإحسان لوجه لله تعالى، لكن يبدو ان لا شيء يمنع
“الفاسدين” من ممارسة فسادهم وفجورهم، في رمضان ولا غيره، فالفساد، مثل الإرهاب،
لا دين له ولا أخلاق ولا هوية.
عن الدستور