بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
لا شك بان الحديث عن الفساد يستحوذ على اهتمامات المواطنين في هذه الأيام ، لتسببه في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية التي يمر بها بلدنا في مقابل عدم جدية الجهات المعنية في التعاطي مع هذه الظاهرة الخطيرة ووضع حد لها . وهي من الأمور والقناعات التي تكرست لدى المواطن ، خاصة وهو يشاهد او يسمع عن فاسدين دون ان تتم محاسبتهم ومعاقبتهم . الامر الذي شجع بعض من يعملون في الوظائف الحكومية والرسمية على استباحة المال العام ، بطريقة تشعرك بان هذا المال لا بواكي له . وهو ما تعكسه تصرفات او مواقف هذا البعض عندما توكل له مهمة التعامل مع أموال الدولة بطريقة تنم عن عدم إحساس بالمسؤولية ، ليقع في شرك الفساد الذي يتخذ العديد من الصور والاشكال ، كالواسطة والمحسوبية والشللية واستغلال الوظيفة والتلاعب والغش بالعطاءات والمشاريع الحكومية والعبث بالمال العام ونهبه والاستهتار والاستخفاف به .
ما يذكرني بصورة حصلت في احدى المؤسسات الرسمية ، والتي سبق ان تناولتها ، وكيف ان موقف مدير المؤسسة اللامسؤول ، شجع التاجر على وضع أسعار مبالغ فيها مقابل السلع التي يريد هذا المدير شراؤها للمؤسسة . بطريقة تعكس نظرته السلبية وغيره من المسؤولين الى المال العام . وذلك عندما قام بشراء مجموعة من الصور والرسومات والمناظر ليضفي جوا احتفاليا على المؤسسة احتفاء بإحدى المناسبات الوطنية . حيث تمت عملية الشراء دون ان يتلطف عطوفته بمساومة التاجر ومفاصلته على الأسعار ، وان عدم اكتراثه بالمال العام ورد فعله السلبي تجاه موضوع الأسعار شجع التاجر على وضع السعر الذي يريده . وكان اللافت ان هذا المسؤول قد حصل على موافقة مديره بواسطة الهاتف ، وهو يتحدث اليه بلغة المتعاطف مع التاجر تقديرا وتثمينا لحضوره الى المؤسسة في يوم عطلة . وكان يستدل من نبرة صوته على ان عملية الشراء قد تمت ، وانه يريد ان يضعه بصورة الوضع .. مخاطبا مديره ، باننا قمنا بشراء مجموعة من الصور والمناظر الجميلة بسعر لا يكاد يذكر اذا ما قورن بالمبالغ التي خصصتها الحكومة لتغطية تكاليف هذه المناسة الغالية ، وان هذا السعر لا يعادل مياومات مسؤول في الخارج ، وان البلد يصرف الكثير والقليل ، ولنعتبر هذه المصاريف من ضمنها . وهذا الحوار الذي دار من طرف واحد بالطبع ، تم على مسمع التاجر الذي كان يوزع ابتسامات اعجابا وتقديرا للدور الذي قام به المسؤول نيابة عنه .
عندها خطر ببالي اكثر من سؤال .. ماذا لو قام هذا المسؤول بشراء مثل هذه الصور لبيته .. فهل كان لديه الاستعداد للعب نفس الدور واخذ نفس الموقف ، وبالتالي دفع هذا السعر المرتفع ؟ وهل سيقوم بشرائها دون مساومة التاجر ومفاصلته على كل صغيرة وكبيرة ؟ وأين دور الجهات المعنية بالرقابة على المال العام ؟ وهل مهمتها التدقيق على الفاتورة من ناحية توقيعها حسب الأصول والتأكد من استكمال الإجراءات ، دون الدخول في تفاصيل هذه الأسعار وتقييمها ومعرفة مدى واقعيتها ومنطقيتها من خلال مقارنتها بأسعار السوق ؟ .
ما يؤكد أهمية العمل المؤسسي عند التعاطي مع المال العام ومن خلال تشكيل لجان مالية ورقابية تكون لها الكلمة الفصل في مثل هذه الحالات الوطنبة الحساسة .