بقلم: د. هايل ودعان الدعجة
لا ندري ما هو موقف روسيا او الإشارة التي يمكن ان تكون قد التقطتها من القمم الثلاث التي شهدتها الرياض بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ظل مشاركة كبيرة ولافتة لقادة وممثلين عن 55 دولة عربية وإسلامية ، وما نتج عنها من عقد صفقات واتفاقيات عسكرية واقتصادية ومالية بمليارات الدولارات ، والتي من شأنها خدمة الاقتصاد الأميركي والامن السعودي والخليجي وامن الدول العربية والإسلامية استنادا الى القيادة السعودية للتحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن ، والحلف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب في المنطقة . تزامنت هذه الاحداث مع عزم ادارة الرئيس ترامب الجديدة واصرارها على العودة الى المنطقة لاثبات حضور الولايات المتحدة في الإقليم وتأكيد قيادتها الدولية ، وبما يشبه الانقلاب على سياسة إدارة سلفه باراك أوباما ، الذي قرر عدم الانخراط في قضايا المنطقة وملفاتها بصورة اثرت سلبيا في مكانة اميركا الدولية . الامر الذي على ما يبدو استغلته روسيا لاستعادة دورها في الساحتين الإقليمية والدولية ، عندما دخلت على ملف الازمة السورية بقوة ، وبحسابات مصلحية استندت في سبيل تحقيقها على البعد العسكري دون ان تأخذ باعتبارها مواقف او مصالح اطراف إقليمية أخرى لها اجنداتها وحساباتها من تعاطيها مع هذه الازمة ، فظهرت روسيا وكأنها تميل الى محور ايران وسوريا ، ( النظام السوري ) وحزب الله على حساب محور السعودية وتركيا وبعض اطراف خليجية وعربية .
وفي ظل التغير الذي احدثه التدخل الروسي في موازين القوى في الساحة السورية لصالح المحور الأول ، ومع تلاقي مصالح المحور الثاني مع توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وسياساتها في المنطقة ، باتت الأجواء مهيأة لاقامة ما يشبه التحالف الامني الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة بمشاركة اقطار عربية واسلامية في مقابل التحالف الإقليمي الذي تقوده روسيا التي على ما يبدو انها لم تحسن التصرف مع ملف الازمة السورية ، عندما اتيحت لها فرصة الانفراد بإدارة هذا الملف ، حيث قادتها حساباتها الخاطئة لتغليب الجانب العسكري على حساب الجانب السياسي . ومع قدوم إدارة أميركية جديدة بدت الأمور تشهد تطورات وتغيرات زادت المشهد السوري تأزيما وتعقيدا . واذا ما اخضعنا هذا الحالة المستجدة لحساب الربح والخسارة ، سنجد ان روسيا في شبه ورطة قد لا تحسن الخروج منها . الى جانب قيادتها لتحالف او محور مكلف او خاسر ماديا واقتصاديا نتيجة الاكلاف المالية الباهظة المترتبة على عملياتها العسكرية في سوريا دون الحصول على مقابل او تعويض مالي من أي من اطراف هذا المحور الذي تقوده والمنهارة اقتصاديا وماليا ه ، إضافة الى ما تعانيه روسيا من أوضاع اقتصادية صعبة على خلفية خضوعها لعقوبات غربية بسبب ضمها لجزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا . رافق ذلك تدني مستويات أسعار الطاقة التي يعتمد عليها اقتصادها كثيرا . كذلك فانها مرشحة لفقدان علاقات وصداقات مع الأطراف العربية والاسلامية الغاضبة من استهدافها للمدنيين والبنى التحتية وفصائل المعارضة المعتدلة ووقوفها الى جانب ايران التي تتدخل في شؤونها الداخلية وتعمد الى اثارة الفوضى وزعزعة امنها واستقرارها عبر اذرعها وميليشياتها الطائفية تنفيذا لمشروعها الطائفي في المنطقة . الامر الذي اسهم في تعزيز قناعة هذه الأطراف بأهمية الانعطاف نحو الحليف الأميركي وإقامة شراكة معه خدمة لمصالحها ولامنها ، ما يبرر اهتمامها الكبير باللقاءات التي جمعتها بالرياض مع الرئيس ترامب . ما يعني ان روسيا اضاعت فرصة كانت في متناول اليد ، عندما أعطت الأولوية للاعتبارات العسكرية على حساب الاعتبارات السياسية وعلاقاتها الطيبة مع الكثير من دول المنطقة ، وبصورة جعلت الأمور تميل لصالح الجانب الأميركي ، الذي على ما يبدو استفاد كثيرا من التعاطي الروسي السلبي مع ملف الازمة السورية .