احمد ذيبان
تعددت مظاهر العنف المجتمعي خلال السنوات الماضية ،وقد يكون أكثرها إثارة للاهتمام المشاجرات التي تشهدها الجامعات بين فترة وأخرى ، وحدث أن وقعت اعتداءات فردية على بعض المعلمين من قبل طلبة أو ذويهم، وفي القطاع الطبي أيضا وقعت اعتداءات على أطباء وممرضين من قبل بعض ذوي المرضى وحدثت أعمال عنف احتجاجا على فشل بعض المرشحين في الانتخابات النيابية، حتى كاميرات مراقبة سرعة السيارات على الطرق لم تنج من عمليات اعتداء وتكسير في بعض المناطق وكل هذه المظاهر قد تجد تفسيرات تتعلق بأزمات اقتصادية واجتماعية واخلاقية ! لكن ما حدث في مدرسة المرقب في لواء ماركا ، خارج عن المألوف وتجاوز للخطوط الحمراء وكأننا نشاهد عملا دراميا ! ويمكن وصف ما حدث بـ«غزوة» حقيقية، ولعلها المرة الاولى التي تتعرض فيها مدرسة وادارتها ومعلميها وممتلكاتها الى هجوم جماعي، يشارك فيه نحو 50 شخصا من أقارب أحد الطلبة، باستخدام الحجارة والسكاكين والعصي وإطلاق الشتائم والالفاظ النابية، ويسفر عن ذلك إصابة مدير المدرسة واثنين من معلميها بجروح ، فضلا عن خسائر مادية كبيرة في مرافق المدرسة وسيارات المعلمين !
ما حدث جريمة هزت المجتمع الاردني ، فهؤلاء لم يحتجوا على نقص الغذاء او ارتفاع الاسعار والضرائب ، بل هاجموا مدرسة تعلم وتربي الاجيال ولا يمكن قبول أي ذريعة لهذا السلوك المستهجن ، بغض النظر عن السبب المباشر للاعتداء ، سواء تعلق بتأنيب أحد المعلمين لطالب او حتى ضربه، وفي رواية أخرى كشف كاميرات المدرسة هوية أشخاص، قاموا بالاعتداء على هذه الكاميرات في وقت سابق.
الحد الأدنى المطلوب للتعاطي مع هذا الفعل ،هو اتخاذ أشد الاجراءات القانونية والادارية بحق المعتدين ، وهو ما أكدت عليه وزارة التربية والتعليم والجهات الأمنية ، ومطالبة المعلمين بعدم التساهل أو إسقاط حقوقهم ، لكن من المهم البحث عن الأسباب والخلفيات ومعالجة هذه الظاهرة ، وأظن ان ما حدث لا يمكن أن يقع في مدرسة خاصة ، مع الاشارة الى التباين الكبير بين مستوى المدارس الخاصة ،فبعضها بائس وأشبه بالدكاكين الصغيرة ، وحتى المعلمين العاملين في العديد من تلك المدارس ،يعانون من الظلم وهضم الحقوق من قبل أصحابها ومع ذلك يصعب أن يقوم ولي أمر طالب وأقاربه بمهاجمة مدرسة خاصة ،والاعتداء على المعلمين بهذه الطريقة المستهجنة، لأنهم يدركون ببساطة أن هذا مرفق خاص ، وأن صاحبه لن يتساهل ويقبل إجراء «صلحة» على فنجان قهوة ، إزاء من يقوم بأي فعل عدواني على المعلمين أو ممتلكات المدرسة، لكن نظرة البعض تختلف للمرافق العامة التي تدار من قبل الجهات الحكومية ،سواء كانت مدارس أو غيرها حيث يسهل التجرؤ على مهاجمتها، وهنا يتجلى ضعف الاحساس بالمواطنة ، والاطمئنان الى إمكانية التعامل مع نتائج الفعل باللجوء الى الواسطة.
تراجع هيبة المعلم أمام طلبته ، من الأسباب الجوهرية لتراجع مستوى التعليم ، وزيادة مظاهر العنف في المدارس والاعتداء على المعلمين، وثمة عوامل متداخلة تبدأ من تدني الرواتب مقابل ارتفاع كلفة الحياة ، وما ينتج عن ذلك من إحباط المعلم وعدم قناعته بدوره كمربي أجيال وصاحب رسالة ، والتعامل مع التعليم كوظيفة روتينية وليست مهنة محترمة ، وتضيف نقابة المعلمين الى ذلك بانتقادها وزارة التربية والتعليم وتحميلها المسؤولية، بسبب ما تسميه تأخير إقرار تشريعات من شأنها حماية المعلم وصون كرامته ، وتغليظ العقوبات بحق من يرتكبون الاعتداءات على المعلمين والمدارس ،فضلا عن إصدار الوزارة تعليمات الانضباط المدرسي «الهشة» بدون التنسيق مع النقابة ، ومع ذلك فان ما حدث يجب أن لا يقود الى اليأس من إمكانية الاصلاح ، والتصدي الى هذه الممارسات يتطلب جهدا رسميا ومجتمعيا متكاملا.
عن الرأي