بقلم: زيدون الحديد
تصريحات وزير المالية الصهيوني بتسلئيل
سموتريتش، بشأن نيته فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية المحتلة في العام
المقبل، تأتي في سياق سياسي وأمني حساس، يتسم بتوترات متصاعدة في المنطقة، إلا أن
هذه التصريحات تتجاوز كونها مجرد إعلان داخلي، حيث تتداخل مع إشارات متزايدة عن
إحياء محتمل لخطة جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب،
والتي كانت تهدف إلى إعادة صياغة شكل العلاقات العربية الصهيونية، دون الالتزام
بمسار يضمن الحقوق الفلسطينية في إطار حل الدولتين.
فخطة كوشنير، التي ظهرت في إطار ما سمي
بـ”صفقة القرن”، كانت تعتمد على توفير دعم اقتصادي واسع لدول المنطقة العربية
والكيان الصهيوني، مقابل قبول واقع سياسي لا يلزم الكيان بوقف توسعها في الضفة
الغربية أو إقامة دولة فلسطينية حقيقية، ومع أن الخطة لاقت رفضاً واسعاً حينها،
إلا أن تصاعد التوترات الإقليمية، وتطبيع بعض الدول لعلاقاتها مع الكيان، قد شجع
اليمين الصهيوني المتطرف على محاولة استعادة هذه الفكرة بشكل أو بآخر.
من هذا المنطلق، قد تكون تصريحات
سموتريتش جزءاً من إستراتيجية لإعادة إحياء نهج كوشنير، ولكن بوسائل أكثر مباشرة
تتضمن فرض سيطرة كاملة على الضفة الغربية، وبدعم ضمني من بعض الأطراف الدولية،
وهذا يعكس تحركاً صهيونياً لاستغلال حالة الانقسام في المواقف الدولية، وللتأثير
على الوعي العام في الدول العربية، خاصة في ظل التوجه نحو التطبيع الاقتصادي
والسياسي الذي قد يخلق ضغطاً جديداً على الفلسطينيين، ويمهد الطريق لتقبل مواقف
صهيونية أكثر تطرفاً بشأن الأراضي المحتلة.
إلا ان الربط الذي اريد أن اوصله هنا
هو أن حرب غزة الأخيرة والشرسة على الشعب الفلسطيني كانت ضمن هذا السياق المعقد،
ويبدو أنها لعبت دوراً في اختبار صلابة المواقف الإقليمية والدولية تجاه سياسات
الكيان الصهيوني، ويمكن اعتبار الحرب بمثابة “عرض قوة” لفرض السيطرة الصهيونية
بشكل غير مباشر، حيث جاءت الحرب بعد تطورات سياسية متسارعة، وقد هدفت إلى تهميش
فصائل المقاومة الفلسطينية وتأكيد السيطرة الصهيونية الأمنية، تمهيداً لمرحلة يفرض
فيها الكيان واقعاً جديداً على الضفة الغربية.
وبالنظر إلى توقيت الحرب، فإنها قد
تكون محاولة من إسرائيل لتثبيت رؤيتها الأمنية، وإظهار قدرتها على فرض السلام
بالقوة، كأمر واقع على الأرض، مما قد يسهل عودة الخطة الأميركية أو خطة مشابهة
تستفيد من الظروف الجديدة، فهذه الحرب، بهذا المعنى، تتجاوز كونها مواجهة عسكرية
إلى كونها خطوة ضمن ترتيبات أوسع لفرض واقع سياسي قد يسهم في تهيئة الظروف لإعادة
قبول بعض عناصر خطة كوشنير، خاصة المتعلقة بالتطبيع ودعم الاستقرار الأمني للكيان
الصهيوني.
في هذا السياق، يأتي الدور الأردني
بقيادة الملك عبد الله الثاني ليشكل ركيزة في مواجهة هذا المخطط، فالأردن يدرك أن
أي خطوة لفرض السيادة الصهيونية على الضفة أو إعادة طرح خطة كوشنير تعني تجاوزاً
صارخاً للحقوق الفلسطينية، وتهديداً مباشراً للوصاية الهاشمية على المقدسات
الإسلامية في القدس ومن هنا، شهدت القمة العربية الإسلامية الأخيرة موقفاً حازماً
من الأردن، الذي يواصل جهوده الدبلوماسية لبناء تحالفات إقليمية ودولية ترفض مسار
الضم والسيطرة، وتؤكد على حل الدولتين.
فالأردن يدرك أن إعادة طرح خطة كوشنير
أو غيرها من الخطط الشيطانية أو خطوات الضم الصهيونية قد تخلق تحديات كبيرة
للاستقرار الإقليمي، وتزيد من التوترات، ولهذا يسعى الأردن لتوسيع موقفه الرافض مع
دول أخرى، وبناء جبهة عربية وإسلامية قوية لمنع هذه الخطط من الحصول على دعم دولي،
مستفيداً من التوترات الدولية الراهنة، مثل الحرب في أوكرانيا، لتوجيه الاهتمام
نحو القضية الفلسطينية.
إلا أن هذا المقال يتلخص في ان تصريحات
سموتريتش حول فرض السيادة الصهيونية على الضفة ليست مجرد كلام، بل تأتي كجزء من
محاولة لإعادة طرح رؤية كوشنير بوسائل جديدة أكثر تطرفاً، وحرب غزة الأخيرة قد
تكون خطوة تمهيدية لفرض سيطرة صهيونية أشمل، في ظل سعي الكيان لتثبيت سياسات تجعل
من عملية الضم والتمدد أمراً واقعاً يقبل به المجتمع الدولي لاحقاً. ومع ذلك، فإن
موقف الأردن الحازم وتشكيل جبهة عربية إسلامية قوية يمثلان عائقاً أمام هذه
التحركات، ويعيدان التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، في وجه محاولات التهميش
أو التجاهل الدولي.