بقلم: الفريق الركن حسين الحواتمة*
من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية
تعد أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية
وتكنولوجية في العالم، ولها مصالح تمتد الى جميع بقاع الأرض وقدرة على التدخل في
كافة ارجاء العالم ولها دور كبير و مؤثر على مجريات الاحداث في مختلف مناطق العالم
وخاصة في منطقة الشرق الاوسط والتي تعيش تحت ضغط الحروب والصراعات والتحالفات
السياسية والعسكرية المختلفة ضمن معادلات دولية واقليمية صعبة ومعقدة للغاية
وعند تفحُص هذه المقومات
والامكانيات للولايات المتحدة الأمريكية
نجدها عند بعض الدول والتي تعد دولا محورية ، و قد جاء هذا التصنيف عندما قسم الاستراتيجيين
دول العالم الى ثلاث اقسام ( دول القلب ، دول الاطراف ، دول هامشيه ) و كانت تتبدل
مواقع الدول وفعالية سيطرتها من فترة لأخرى فمثلا كانت بريطانيا العظمى ردحاً من
الزمن في مركز القلب الى أن جاءت الولايات المتحدة الى هذا المركز واحتلتة كاملا
بفضل قوة مؤسساتها الديموقراطية والاقتصادية وثروتها ومؤسساتها وأفكارها
وتحالفاتها وشراكاتها العسكرية .
ولم تسمح إن يشاركها اي دولة به و هذا
يعد من ركائز السياسة الخارجية لها كونها القادرة على ضبط النظام العالمي و معالجة
تشوهاته ، و حتى الاتحاد السوفيتي تم سحبه الى دول الاطراف ثم الهامش حتى تلاشى
بمولد روسيا بتركيبتها السياسية الحالية ، وعودة الى الانتخابات الامريكية و توجس
الدول العربية و نخبها السياسية من النتائج و ايهما افضل كاميلا هاريس ام دونالد
ترامب و هذا النمط من التفكير له ارتباطات بعوامل تاريخية ، ثقافية ، نفسيه لم
تستطيع النخب العربية معالجتها او تخطي الكثير منها ، حيث شكلت مرحلة العجز و
الاتكالية التي مرت على منطقة الشرق الاوسط
اثناء فترات الاستعمار عنونا عريضا وسمه بارزة من سمات التفكير السياسي
وصولا لدخوله في عمق الفكر الجمعي فكنا
نعول على الدعم الغربي تارةً و الدعم الشرقي تارةً أخرى منتقصين و غير واثقين من
عناصر القوة المختلفة التي تملكها دول المنطقة منتظرين المنقذ و حامل عصى موسى لحل
القضايا والتحديات الكبيرة التي تواجهنا
اما الولايات المتحدة فهي كيان سياسي ذو تركيبه
قوية متجذرة في قوانينها و تشريعاتها و ادارتها ومؤسساتها و العمق الديموقراطي
المتجذر و غير المسبوق ، فلا يستطيع اي رئيس الخروج عن الاتجاه العام للدولة وإن
حاول فإن مؤسسات الدولة القوية بكل مفاصلها ستعيده الى الاتجاه العام ، فالرئيس
الامريكي في السياسة الامريكية لا يستطيع ان يتبع هواه و يضل الطريق فهو محكوم
بمحددات دستورية ومؤسسات قادرة على ضبط الايقاع دون أي تعقيدات
، اما الدول التي تؤجل كثير من قراراتها وسياساتها
منتظره من سيفوز فهي دول هشة ضعيفة تمتلك فكرا ونهجا سياسيا ضيقا دون أي نظرة
مستقبلية استشرافية ولم تستطيع الخروج من المنطقة الهامشية و عليها وضع سياسات و
استراتيجيات مرنه تستوعب البيئة الاستراتيجية في جميع مستوياتها المحلية و الإقليمية
و الدولية و لا بد من الخروج من هذه العقلية و الاستمرار بخطط التطوير و وضع اتجاه
عام للدوله لا يتأثر بالأحداث السياسية المختلفة اقليميا وعالميا ، و أن نعلم ان السياسة
الأمريكية تختلف في الاساليب و الطرق والممارسات
و لم تختلف يوما في الاهداف و الثوابت والاركان العامة كما انه يجب الاشتباك مع الولايات المتحدة
سياسيا و دبلوماسيا على قاعدة المصالح المشتركة و عدم التركيز على شخص الرئيس بل
على جميع مؤسسات الدولة الأمريكية البرلمانية و السياسية و والاقتصادية والعسكرية
و الأمنية فهنالك الكثير من اصوات الخبرة و الحكمة و الاعتدال في هذه المؤسسات و
هذا يعد من اهم اسباب استمرار الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم .
إذا ستبقى الولايات المتحدة في مركز
النظام العالمي وسبب ذلك جزئيا هو تلك القدرات المادية ودورها كمحور في ميزان
القوى العالمي وفي الوقت نفسه ستظل الولايات المتحدة مهمة لسبب آخر وهو جاذبية
أفكارها ومؤسساتها وقدراتها على بناء شراكات وتحالفات تجعلها قوة لا غنى عنها خلال
السنوات المقبلة ولطالما كان ذلك وقد يظل سر قوتها ونفوذها .
* مدير الامن العام السابق