بقلم: د . هايل ودعان الدعجة
يكاد يكون هناك شبه توافق على ان بدايات عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، شكلت انعطافة لافتة وانقلابا في نهج الإدارات الأميركية السابقة ، استنادا الى الوعود التي اطلقها خلال الحملة الانتخابية ، حيث استهل عهده بالبدء بتنفيذ بعضها بطريقة أشرت الى عزمه السير بهذا الاتجاه المحفوف بالمخاطر في ظل ما تنطوي عليه هذه الوعود من تناقضات مع الدستور والقانون والقيم الأميركية ، وتداعيات سلبية على علاقات الولايات المتحدة بالدول الحليفة في أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية واسيا . وقد بدأت اولى هذه الإشارات بحظر دخول مواطني بعض دول المنطقة ذات الأغلبية المسلمة الولايات المتحدة وهي الخطوة التي ادت الى قيام مظاهرات واحتجاجات داخلية . تزامن ذلك مع الحديث عن محاولة التقارب مع روسيا وما اشيع من معلومات عن وجود اتصالات من قبل بعض عناصر الإدارة الأميركية الجديدة مع روسيا وتدخلها في الانتخابات الأميركية لصالح ترامب ، الذي دخل في صدامات مع الاجهزة الإعلامية والقضائية والأمنية والاستخباراتية على وقع هذه الأجواء المشحونة ، وما رافقها من تداعيات اثرت سلبيا في شعبيتة ، وبشكل غير مسبوق في تاريخ الإدارات الأميركية .
رافق ذلك توتر في علاقات اميركا مع دول أوروبا على خلفية التوجه الأميركي الجديد بالانسحاب من حلف الناتو والغاء الاتفاقات التجارية مع الأطراف الأوروبية وغيرها والتشجيع على فكفكت الاتحاد الاوروبي ومنطقة اليورو . إضافة الى انحياز الموقف الأميركي لصالح الجانب الإسرائيلي في التعاطي مع القضية الفلسطينية من حيث حل الدولتين والاستيطان ونقل السفارة الأميركية الى القدس، وكلها حالات تتناقض مع وعد ترامب بان تكون اميركا عظمى مرة أخرى بعد تراجع مكانتها الدولية في عهد كل من الرئيس الأسبق بوش الابن والرئيس السابق باراك أوباما . وبدا ان هناك حالة من عدم الرضا انتابت الشارع الاميركي جراء توجهات الإدارة الأميركية الجديدة ، انعكست سلبيا على شعبيتها .
ومع الوقت برزت تطورات ومواقف املت على الرئيس ترامب إعادة حساباته واولوياته ، وبما يتماشى مع مكانة اميركا ودورها وحضورها في الساحة الدولية . حيث مثل اللقاء الأول بالملك عبد الله الثاني فرصة مواتية للتعاطي المسؤول مع قضايا المنطقة وملفاتها ، كالقضية الفلسطينية والازمة السورية والإرهاب والتدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة ، للخروج من المأزق الذي وجد نفسه فيه ، ثم جاء اللقاء الثاني الذي جمعه بجلالة الملك وهو يحمل معه مخرجات القمة العربية الثامنة والعشرين التي عقدت في الأردن ، والتي عكست رؤى الأقطار العربية ومواقفها حيال هذه الملفات الهامة ، وبدأنا نلمس الاهتمام الذي اخذ يوليه الرئيس ترامب في هذا الجانب وبصورة أكثر واقعية من حيث تحريك مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا لحسم ملف الإرهاب ولجم النفوذ الإيراني في المنطقة ، واستعادة الإدارة الأميركية لحلفائها في المنطقة كالسعودية ومصر وتركيا بعد الغضب من سياسات الرئيس السابق أوباما الذي أسهم في تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة ، إضافة الى تردده في حسم ملف الازمة السورية والتنظيمات الإرهابية .
اما التطور الاخر فتمثل في الضربة الأميركية لمطار الشعيرات في سوريا على خلفية اتهام اميركا للنظام السوري باستخدام الغاز الكيميائي ضد المدنيين ، والتي لاقت الترحيب من قبل الكثير من دول المنطقة وأوروبا والعالم ، واستعادت ثقة الشارع الأميركي بالرئيس ترامب ، وبمكانة الولايات المتحدة في الساحة الدولية ، وعدم ترك روسيا لتنفرد بملف الازمة السورية . حيث تراجعت العلاقات الأميركية الروسية الى ادنى مستوى لها بسبب دعم روسيا للرئيس بشار الاسد في الوقت الذي اثنى الرئيس ترامب فيه على حلف الناتو وقال انه يتكيف مع التهديدات العالمية المتغيرة ، ما أعاد الدفء لعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الاوروبية التي كانت قلقة من توجه ترامب للتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن . إضافة الى الأجواء الإيجابية التي سادت العلاقات الأميركية مع الصين ، توجت بعقد قمة بين قيادة البلدين في فلوريدا الجمعة الماضي . وذلك بعد الانتقادات التي وجهها ترامب للصين خلال حملته الانتخابية بسبب انتهاجها سياسات تجارية غير عادلة والخلافات معها حول السيادة على بعض الجزر في بحر الصين الجنوبي وعدم جديتها في كبح جماح كوريا الشمالية .
ما اعطى الانطباع بان الرئيس ترامب كان قويا وحازما وغير متردد في التعاطي مع ملفات خارجية حساسة . في إشارة الى تراجعه عن الكثير من وعوده الانتخابية امام الواقع الذي فرض نفسه على اجنداته ، إضافة الى تراجع حدة الضغوط الداخلية عليه وارتفاع شعبيته عندما انعطف في سياساته الى الخارج إقليميا ودوليا ، وابتعد عن الداخل الذي شهد أجواء مشحونة بالتوتر والخلاف على وقع بعض القرارات التي اتخذها تنفيذا لوعوده الانتخابية .