بقلم: حسن محمد الزبن
أعقاب 7 أكتوبر أصبح الكيان
الإسرائيلي أكثر خوفا على مستقبل الدولة اليهودية، المستقبل المحفوف بالصراع
السياسي الداخلي فيها وما يكتنفه من تخبط معاتيه السياسة في اليمين المتطرف،
والمخبولون والمضطربون سياسيا في حكومتها ومجلس الحرب الفاشل وزمرته الفاشية التي أخفقت
في حربها مع المقاومة، ولم تخلف سوى جرائمها البشعة على المدنيين والعزل من
العائلات الغزّية المنكوبة أطفالا ونساء وشيوخا، وما بقي لغزة بقعة واحدة يمكن أن
تكون آمنة، حتى صار حال ما تبقى من سكانها أن يلتحفوا السماء بعد أن هُدمت ودُمرت
بيوتهم وأصبحوا في العراء، أو في ساحات المدارس المكشوفة، أو بعض الخيم البالية
المرقعة التي لا تكاد تحميهم من برد الشتاء القارس في ظل الحاجة والعوز والمجاعة
والمرض، الذي خلفته أدوات الحرب، وتأخر المساعدات الإنسانية، ولم يصل منها إلا
النذر اليسير، والتي من وقت قريب تم استئناف دخولها ببطء من جديد في ظل ما أحدثته
النقاشات والنتائج التي صدرت عن المحكمة الدولية.
ورغم ما صدر عن المحكمة الدولية لاهاي
من إدانة بحق هذا الكيان المتعجرف، بدليل ما جاء على لسان القاضية الأمريكية
"جوان إي دونوغو" والذي يدين ضمنا دولة الاحتلال بارتكاب مجازر الإبادة،
لكنه لم يصل إلى الآمال التي كانت تتلهف لها الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان
لتكون بمستوى أعلى من الإدانة، مع معرفتنا المسبقة أن قرار المحكمة لن يهز الكيان،
ولن يضع حد لأفعاله، حتى وإن صدر ما يُلزمه فيما بعد بوقف الحرب على غزة بقرار من
مجلس الأمن، قد يتبعه قرار "فيتو"، فبصبح قرار في الأرشيف الأممي.
لكن ما يؤكد أن حكومة هذا الكيان هي
حكومة في قمة الهشاشة والضعف ما كان من ردة فعل بالغضب والاستنفار وتجييش إعلامه
وتصريح قياداته وأدواته فيما يخص لافتة مطعم في جنوب الأردن، وتحديدا في الكرك
الأبية، كتب عليها (مطعم 7 أكتوبر) والتي أزيلت من أيام واستبدلت باسم آخر.
يبدو أن هذا الكيان- فرقع لوز- بدليل
أن اللافتة استفزته وطالت قامته المقزّمة بعد تنكيسها في 7 أكتوبر على يد
المقاومة، لا بل إن هذه اللافتة استفزته ونالت من خاصرته أكثر من القرار الذ صدر
بحقه من المحكمة الدولية لاهاي، ما يعني أن لدى هذا الكيان حقد وكراهية وحساسية
مفرطة ضد الشعب الأردني، لا بل ما يؤكد أكثر من ذلك، تلك المؤشرات والسابقات
والتصريحات والتغريدات الصادرة على لسان أعضاء حكومته وأعوانه الجنرالا ت العاملين
والمتقاعدين والكتاب والصحفيين المأفونين، والتي رُصدت باتجاه الأردن وشعبه، وكلها
ذات مغزى واحد تدلل أن هذا العدو لا يؤمن جانبه ولا يؤمن السلام معه، ولو كبله كل
المواثيق والعهود، أو كل ما جاء في بنود اتفاقية وادي عربة، وأن هذه العلاقة مع
هذا الكيان هي علاقة مرتبكة ولم تعد في أحسن حالاتها، وأنه على الأردن أن يعيد
التفكير في حساباته في هذه العلاقة وأن تؤخذ هواجس هذا الكيان على محمل الجد.
إن هذا الكيان الخسيس تشرب النذالة
منذ وجوده، ويتبجح بغطرسته وبكل آثامه التي يرتكبها، وهو اليوم لا يبدد وقته عبثا
رغم انشغاله بالحرب، مثله مثل الشيطان الذي يفكر في كل الأوقات والجهات لصنع مفسدة
وفتنه في الأرض، نعم هذا الكيان بات يحسب كل الحسابات ويعمل جاهدا للتلصص والتجسس
علينا، ويتابع كل ما يصدر عن مؤسساتنا ومراكزنا البحثية والاستطلاعية، وما يصدر عن
الشعب الأردني عبر قنوات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا تجاه جرائمه وأفعاله
المخزية التي لا يمكن أن توصف إلا بالعدوانية والإبادية، والتي لا يمكن أن
يستوعبها شعب في العالم يؤمن بالإنسانية والحرية والمساواة والعدالة.
ونقول لهذا الكيان ولكل عصبته الغادرة
الحاقدة التي لا تؤمن بالسلام وحسن الجوار، أن أفعاله وسلوكه ولدّ هذه القناعات
التي ترسخت بعد أيام طويلة عبر ثلاثين سنة من اتفاقية السلام المبرمة، وأصبح الأمر
مكشوفا وواضحا وجليا، حتى لو ذهب هذا الكيان كله للاغتسال بمياه البحر الأبيض
المتوسط ليمحو ما علق به من آثام، أو أن يخفي أحلامه التوسعية، لن يستطيع أن يمحو
وحشيته، ومشاهد الدم والبطش التي لحقت بالشعب الفلسطيني وقطاع غزة منذ الاحتلال
وما أعقب 7 أكتوبر من فضاعات مطلقة ووحشية لجرائمه التي استهدفت الأرض والحجر،
والطفل والمرأة والرجل، ولم يتبق من آثار البلاد ما يكون شاهد حتى للذكرى؛ فما
تبقى هو وقوفا على أطلال الخراب الآثم بفعل آلة الحرب الكاسحة والغاشمة، التي لم
تستثن حتى المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والمكتبات والجامعات، ولم تسلم
من مخطط الإبادة والتدمير، إنه مخطط لاإنساني على الإطلاق يتوازى معه التخطيط
للاغتيالات التي نفذت بحق عشرات الصحفيين ومتطوعي العمل الإنساني في الشمال
والجنوب من قطاع غزة، وما سيعقبه من مسلسل للاغتيالات والتصفيات التي يخطط لها
ليلا ونهارا، ولن تثنيه كل قوانين الأرض الدولية والأممية عن الاستمرار في تنفيذها.
هذا الكيان الذي لا يخفى على أحد
تاريخه وصفحاته السوداء من الغدر والخيانة والتآمر لا يمكن الوثوق فيه أبدا، ويجب
علينا في الأردن أن نعيد حساباتنا تجاهه، وأخذ تهديداته التي يلوح بها كل فترة،
وكلما عصفت عاصفة، بأن نأخذها على محمل الجد، لأن كيانا مسكونا بالخذلان، ويحكمه
الاضطراب والخوف، ويتملكه عقدة التوسع التي بنظره يجب أن تتحقق، وهذا ما تؤكده
رواياته المتكررة وتصريحاته الخبيثة التي تستهدف الأردن عبر محطات ومفاصل تاريخية
كثيرة، يعني أننا أمام كيان شيطاني متلون مأزوم بالأنانية وحب الذات، مسكون بعقد
نفسية تحمل الكثير والمتراكم من المكر والعدوانية التي يمكن أن تتجه إلى أي مكان،
وتصل إلى أي طرف في الإقليم العربي.