بقلم: حسن محمد
الزبن
تفاجأ عندما
تقرأ خبرا أن نائب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات يتقاضى رواتب ومكافآت وبدل
تنقلات يتجاوز 355 ألف دينار سنويا أي ما يقارب 29600 دينار شهريا، وهو رقم فلكي
بالنسبة لنا في الأردن، الأمر لا يتوقف عند هذا الموظف ففي مؤسساتنا وشركاتنا
الوطنية من هم في موقع المديرين العامين أو المديرين التنفيذيين أو أعضاء مجالس لهذه
الشركات والمؤسسات ويتقاضون مثل هذا المبلغ وأعلى منه، وهذا لا يعني أن هؤلاء
الأشخاص مقطوع وصفهم- لا يوجد مثلهم- فالأردن أغنى دول العالم في الكفاءات
والخبرات.
يطرح هذا
الموضوع لأن الواقع في الأردن لا يتوافق مع الرواتب الفلكية التي نسمعها، أو ينشر
عنها، ولا تتناسب مع توزيع سلم الرواتب للمديرين العامين وكبار الموظفين، وأعضاء
مجالس الإدارات، وتحديدا في الشركات الكبرى لدى القطاع الخاص وهي بالأغلب ليست
فردية بل مؤسسات وشركات مساهمة يمتلك المواطنون نسبة كبيرة من أسهمها، وتمتلك
الحكومة لدى البعض منها نسبة معينة من هذه الأسهم، لكن التفاوت العميق والفروق
الواضحة في الرواتب يفرض واقع الطبقية في المجتمع.
والرواتب التي
يتبعها حوافز ومكافآت وبدل تنقلات هي تعيينات بالأغلب بعقود وتتم بشكل قانوني، وما
يحدث من تنفيع يكون أيضا ضمن الطرق القانونية بحيث لا يمكن لأحد أن يعترض مثلا على
ترتيب الاجتماعات الفائضة وعن جدواها لأنه ببساطة لا يمكن أن يقرر أي شخص مدى
أهمية هذه الاجتماعات غير القائمين على إدارة المؤسسة أو الشركة، ولا يمكن أيضا
تحديد أهمية السفريات وبرامج التعاون مع الشركات الأخرى في دول عربية وعالمية لها
نفس الاهتمام الاقتصادي والتجاري والطموح في أسواق جديدة وكسب وتبادل الخبرات بين
أي طرف منهما إلا ما يراه مجلس إدارة هذه الشركة أو تلك.
ومن خلال
الدراسات والخبراء يوجد تصنيفا للوظائف في الأردن وفي كل المجالات، وهي معروفة
ويوجد متوسط لهذه الرواتب لكل قطاع، أكان في قطاع العمال، أو التعليم، أو الأجهزة
العسكرية والأمنية، أو الطيران، أو الهندسة، أو المحاسبة، أو التسويق والعلاقات
العامة، أو النقل والخدمات اللوجستية، أو السياحة والضيافة بما فيها المطاعم
والفنادق، أو البنوك، أو المشتريات والمبيعات، أو الخدمات المساندة، أو التصنيع،
أو البحث والتدريب والتطوير، أو الشؤون القانونية، أو عالم الجمال والموضة، أو
قطاع النفط والغاز، أو تكنولوجيا المعلومات، أو الاقتصاد الرقمي، أو التدريس
الأكاديمي في الكليات والجامعات، أو الطب والرعاية الصحية والتمريض، أو الموارد
البشرية والتوظيف، أو التصميم والإبداع والفنون، أو التشييد والبناء، أو مراقبة
الجودة، أو السكرتارية، أو خدمة المجتمع، أو التمويل والاستثمار، أو السلامة
والصحة المهنية، أو الترجمة أو الكتابة أو الصحافة أو النشر، إلخ من القطاعات التي
لا مجال لذكرها جميعا وحتى لا يكون المقال مزدحما بالأرقام لكنت وضعت المتوسط من
الراتب لكل مهنة ولكل وظيفة ولكل مدير في مجاله ولكل متخصص ومختص.
ما أركز عليه
هنا أن الراتب المناسب للمواطن الأردني حتى يتناسب مع الحياة المعاشة، ما تقوله
الدراسات بأنه يجب ألا يقل عن 700-800 دينار، وأن راتب 260 كحد أدنى للأجور غير
منصف، ولا يكاد يكفي إيجار شقة متواضعة في ضواحي عمان، وتقول أيضا إن عائلة مكونة
من 4 أفراد تحتاج إلى تكاليف شهرية تقديرية تصل إلى 1800 دينار دون إيجار وأن
تكلفة الفرد الواحد خلال الشهر تصل إلى 506 دينارات دون إيجار.
ويكفي أن نذكر
هنا مقاربة لتصريحات في عام 2021 تقول إن الرواتب التي أقل من 500 دينار هي تشمل
70 % من الموظفين الخاضعين للضمان الاجتماعي، وأن من يتقاضون أقل من الحد الأدنى
للأجور بسبب الشيخوخة من عام 1993 م ولغاية 2019 م هو 50 دينارا كراتب أساسي يضاف
إليه العلاوات، وأن راتب الشيخوخة والعجز الجزئي تمت زيادته فيما بعد إلى 100
دينار ويضاف إليه العلاوات، وأنه في حالة العجز الكلي والوفاة يتقاضى راتب 160
دينارا يضاف له العلاوات، وجاء في التصريح أن من يتقاضون رواتب تقاعدية فوق 10000 آلاف
دينار فقط 20 شخصا متقاعدا، ومن يتقاضون رواتب فوق 5000 دينار 270 شخصا متقاعدا،
وهذه الأرقام بالتأكيد في عام 2024 م اختلفت قليلا ولكن ليس اختلافا يلفت
الانتباه.
وبما أننا نطالب
الحكومة بضبط رواتب المديرين العامين والتنفيذيين ورؤساء المجالس في الهيئات
والمؤسسات المستقلة، التي تمنينا عليها حلها ودمجها في الوزارات والمؤسسات العامة
في الدولة ويجري على موظفيها ما يجري العمل فيه بالحكومة بالنسبة لنظام الرواتب،
اليوم نتمنى عليها ضبط سلم رواتب كبار الموظفين في المؤسسات والشركات الكبرى في
القطاع الخاص وتحديدا الشركات المساهمة العامة التي أموالها بحكم المال العام لأن
ملكيتها لمواطنين مساهمين فيها، وكذلك الحكومة لها حصة في بعضها، وللضمان
الاجتماعي مساهمة فيها أيضا بنسبة معينة، ومن الضروري أن لا يتوقف الأمر عند
القطاع العام، فعلى الحكومات مسؤولية لأن تمارس ولايتها وسلطة القانون على
المؤسسات الكبرى والشركات المساهمة وبالذات التي لها مساهمة فيها باعتبارها شريكا
مع القطاع الخاص، وحتى يتوقف انسياب الملايين في طريق وجيوب معروفة، وباتجاه فئات
معينة خدمتها الظروف أن تتمتع بامتيازات ورواتب فلكية تفوق رواتب رئيس الوزراء
نفسه الذي لا أحسب أن راتبه وامتيازاته تجاوزت سقف 10000 ألف دينار في أفضل
الأحوال، بل وتفوق امتيازات كبار القادة ورجالات الدولة المعدودين.
الموضوع صادم
ومؤرق ويحتاج لإعادة صياغة وتعديل بعض القوانين الخاصة بهذا الجانب، وهذا لن يرضي
بعض الهوامير والمتنفذين والمستفيدين من ترك (الحبل على الغارب)، ونحتاج إلى صوت
من هم تحت قبة البرلمان لفتح هذا الملف بقوة، ونحتاج لمن يقرع الجرس لأجل تقريب
الفجوة العميقة في سلم الرواتب في القطاع العام والخاص بالنسبة لكبار المسؤولين
والموظفين، والأردن فيه من الكفاءات والخبرات التي تقبل أن تكون بديلا وتحل محل
هذه الطبقة البرجوازية التي فرضت نفسها على المساهمين بحكم ملكيتها لأكبر عدد من
الأسهم في هذه الشركات، أو لاعتبارات أخرى، في حين أن السواد الأعظم من موظفي
الدولة والقطاع الخاص يتراوح متوسط رواتبهم الشهري بين 300-500 دينار ويمكن أن يصل
إلى 750 دينارا في أحسن الأحوال، وأنا هنا أستثني من يشغلون مواقع المسؤولية من
مدراء وإداريين في مواقع متقدمة، ولا بد من إعادة التوازن في رواتب الموظفين
والمتقاعدين من المدنيين والعسكريين، ومن تخضع رواتبهم لنظام الضمان الاجتماعي،
وأن يكون الطرح شاملا ويتناسب مع نسبة التضخم في الأسعار بما يضمن عدم الاستمرار
في الصمت على تآكل الرواتب ، إلى أن وصل الحال إلى إفراغ الجيوب في أول خمسة أيام
من تقاضي الراتب الشهري.
نقدر أننا في
الأردن نمر في ظروف اقتصادية صعبة، وعوامل فرضها علينا وضع الاقتصاد العالمي لسنا
طرفا فيها، بل جزء منها، نتأثر بتحدياتها كغيرنا، وعلينا استحقاقات بسبب ظروف
الحرب التي ما زالت قائمة بين روسيا وأوكرانيا، والحرب على غزة، والوضع في الداخل
الفلسطيني، وما آل إليه الحال في سوريا والعراق واليمن وجنوب لبنان، وما تتعرض له
الطرق التجارية العالمية في البر والبحر من تراجع وتقييد أو تجميد (إيقاف) أو
تباطؤ في الشحن كما لم يسبق له من قبل لأجل التقليل من مخاطر الشحن والتوريد في ظل
الظروف الدولية القائمة، ونعلم أن هذا خارج عن إدارة الدولة والحكومة، وان الوضع
أصبح عالميا، لكن إن درسنا وضعنا الداخلي، وأمعنا في تشخيص الحالة الاقتصادية
الأردنية، قد نجد العديد من البدائل التي يمكن أن تقودنا لحلول تعود بأفضل الممكن.
وحمى الله
الأردن،