احمد ذيبان
من حيث الاجراءات نجح الاردن بامتياز، في الاعداد والتنظيم لقمة البحر الميت ،وبالتأكيد فان البلد المضيف يطمح الى نجاح القمة على صعيد القرارات والتوصيات، لكن المنتج هو حصيلة المواقف الجماعية للقادة والحكومات ، والواقع ان المنهجية السياسية العربية لم تتغير بشأن العلاقات البينية ، وتنطوي على مجاملات ومعايير مزدوجة لا تخلو من «ألغام» سياسية ، كما عكسته بعض السطور في كلمات عديد الزعماء، وفي الموضوعات التي تم مناقشتها في الاجتماعات التحضيرية ، مثال ذلك كيفية التعامل مع ايران، حيث تم التأكيد على بند ثابت، وهو مطالبتها بالانسحاب من الجزر الاماراتية التي تحتلها وإدانة تدخلها في اليمن ، لكن في البند المتعلق بالعراق تم تجاهل تدخل ايران التخريبي فيه، الذي يقوم على نشر فيروس الطائفية ودعم ميليشيات مسلحة ، مقابل ذلك طالبت القمة تركيا بإنهاء تدخلها في العراق.
حالة الرجل العربي المريض، تحتاج الى صدمة عنيفة بقوة « قنبلة نووية «، بمعنى وجود إرادة سياسية حقيقية لتغيير واقع الحال ، وهو أمر يبدو ان المواطن العربي، وصل الى حافة اليأس من تحقيقه ، وانعكس ذلك في الكم الكبير من الأحباط ، الذي حفلت به وسائل التواصل الاجتماعي خلال الايام التي سبقت وأعقبت انعقاد القمة ! وجاءت المخرجات من خلال البيان الختامي الذي سمي ب «إعلان عمان « لتؤكد ذلك ،حيث جاء حافلا بالجمل الانشائية والحديث عن التوافق والتضامن، الذي تكرر في بيانات القمم السابقة.
في كلمته الافتتاحية أشار رئيس القمة الملك عبدالله الثاني ، الى نقطة جوهرية تتعلق بدورية انعقاد القمم العربية سنويا، حيث أكد على أهمية « التوافق على أهدافنا ومصالحنا الأساسية، بدلا من أن نلتقي كل عام، ونكرر مواقف نعلم جيدا، أنها لن تترجم في سياساتنا «. وهذه دعوة ضمنية الى إلغاء دورية القمم ، وعقدها عندما تتطلب الظروف ذلك وتتوفر معطيات جدية لنجاحها.
فنظرة سريعة الى احوال العرب الراهنة، تكفي لاستخلاص النتائج! وقد القمم العربية باتت مادة دسمة للتندر ، بعد ان اصبحت «دورية» بقرار من قمة القاهرة الطارئة عام 2000، التي عقدت لدعم انتفاضة الاقصى، وتم تعديل ميثاق الجامعة لغايات انتظام القمة سنويا في الدول الاعضاء، حسب الحروف الابجدية. وأذكر أنني كتبت مقالا عندما عقدت اول قمة دورية في عمان عام 2001 ، قلت فيه أن القمة الدورية ستشكل عبئا كبيرا على القادة ،حيث سيضعون أنفسهم في مواجهة سؤال كبير أمام مواطنيهم: ماذا فعلتم ؟ والاجابة محبطة بدون شك ! وفي 17آذار 2010 عشية قمة ليبيا قبل انطلاق «الربيع العربي « ،كتبت في «الراي» مقالا مشابها بعنوان»جدوى القمم الدورية «! كررت فيه نفس السؤال؟
وبعد كل هذا العدد من القمم تناسلت الكوارث العربية،وتواجه العديد من الأقطار خطرا وجوديا ، وأصبحت الازمات التي تواجه الأمة بيد دول وقوى خارجية، ويتم مناقشتها على موائد في عواصم بعيدة ،يترقب العرب وجامعتهم نتائجها عن بعد.
ومنذ قمة بيروت 2002،أضيفت لأجندة القمم الدورية «لازمة» جديدة تتعلق بمبادرة السلام العربية،رغم علم القادة أن الطرف الاخر في واشنطن وتل ابيب، تعامل معها باستخفاف منذ إقرارها.
قمم كثيرة تعقد في العالم تضم مجموعات مختلفة من الدول، لا تتحدث لغة واحدة كحال العرب، لكن تجمعها مصالح اقتصادية وسياسية، مثل القمة الاوروبية وقمة «الاسيان» وقمة الثماني وغيرها،وجميعها تعقد بسلاسة وبمواعيد متفق عليها واجندة واضحة، وتحقق نتائج عملية تفيد شعوب تلك الدول، دون تطبيل وتزمير وملاسنات وشتائم.
البيان الختامي لقمة البحر الميت صيغ بدبلوماسية وجمل سلسة توافقية ترضي الجميع ، تؤكد على الثوابت وحسن النوايا، حول أزمات عربية وجودية ، ولا تقدم وصفات وآليات عملية مدعمة بقرارات جدية والتزامات محددة ، تتعلق بملفات سياسية واقتصادية واجتماعية لكن رغم ذلك كان انعقاد القمة مناسبة لإلقاء الضوء على التراجيديا العربية ،والتذكير بضرورة البحث عن علاج وضوء في نهاية النفق.
عن الرأي