خيري منصور
يروى عن زعيم عربي ممن وصلوا الى الحكم على صهوة دبابة وليس على صهوة حصان انه سئل ذات يوم عن اليسار واليمين في الطبقة السياسية التي تحيط به، فأشار الى حذائه قائلا لا فرق، لأن احدهما الفردة اليمنى من حذائي والآخر هو الفردة اليسرى !
ولا ادري مدى صدق هذه الرواية لكنها وردت في سياق يرجح كونها واقعية وليست محض خيال، وحين نفحص بعض الظواهر السياسية في العالم العربي بعيدا عن التوصيف السطحي المتكرر والمنزوع الدلالة نجد ان هناك بطالة سياسية مُقنعة تماما كالبطالة بالمفهوم الاقتصادي لأن الاستنقاع الاجتماعي والارتهان للموروث على علاقة واهنه لا يمكن له ان يفرز حراكات فاعلة، وكل ما ينتجه هو هبّات او هوجات موسمية .
ان استكمال المعارضات لنصابها وبالتالي استحقاقها مرتبط عضويا باستكمال الدولة لاقانيمها وشروطها وقد عرف التاريخ العربي المعاصر معارضات من طراز خاص، فهي إما ان تكون محدودة السقف مسبقا او اقرب الى النادي، وفي حالات اخرى ترتبط بقوى اقليمية او دولية خارج حدود الاوطان التي تنتسب اليها والنموذج التقليدي الذي يستحضره المؤرخون لهذا النمط هو حكومة فيشي التي اعلنها المارشال بيتان اثناء الاحتلال النازي والذي قال المدافعون عنه انه فعل ذلك لانقاذ باريس, ولو كان هؤلاء يعرفون المثل العربي القائل نكاية بالطهارة فعل كذا لترددوا في دفاعهم !
ولدى العرب من التجارب المريرة التي انتجها الارتهان للخارج وقواه ذات الاستراتيجيات الطامعة في التمدد ما يكفي لتلقيحهم ضد التكرار، لكنهم في القرن الحادي والعشرين لدغوا من الجحر ذاته للمرة الالف !
اما الزعيم الذي وصل الى الحكم على صهوة دبابة صهيلها من نار فانه يذكرنا بمن يشبهه من قادة ظهروا على جلد التاريخ كالبثور حيث يروى عنه انه طلب من احد الحكماء من قومه ان يقسم الغنائم بالعدل بعد انتصاره في معركة، وحين شرع الحكيم في التقسيم تلقى لكمة من قبضة يزينها خاتم ثقيل من الفضة على فمه، فاعاد التقسيم لتكون الحصص كلها للزعيم، شرط ان يتقدم للالقاب الستة التي يحملها عندئذ قال الزعيم للحكيم طوبى لمن علمك العدل فاجاب الحكيم والدم يسيل من فمه، انه هذا، واشار الى خاتم الفضة والقبضة المحكمة !
عن الدستور