حسن أبو هنية
من أستانة إلى جنيف تحولت الخطابات وتبدلت التعريفات بين أطراف النزاع في سورية ذلك أن خطاب «الثورة» بات من الماضي بعد أن دخل النزاع المسلّح في سورية مراحله الأخيرة ولم يعد يمثل صراعا بين قطاعات واسعة من المجتمع ضد النظام بصيغة صفرية وباتت سورية ساحة صراع لحرب دولية وإقليمية بالوكالة وعقب جولات ساخنة من الجدالات والمفاوضات والقرارات حول طبيعة ما يحدث في سورية برزت معادلة جديدة تتحدث عن المعارضة والنظام واختفى حديث الثورة وباتت مسألة محاربة «الإرهاب» نقطة الاتفاق بين كافة الأطراف.
لا شك أن المعارضة والنظام في سورية في حالة من الضعف والهشاشة ويفتقدان إلى القدرة والمناورة لفرض أي شروط جوهرية على صيغة الحل النهائي حيث تمتلك روسيا وإيران اليد العليا في توجهات النظام السوري وتمتلك أمريكا وتركيا اليد الطولى على المعارضة السورية وقد عملت هذه القوى على تأسيس توافقات في تعريف الأزمة والنزاع وتوصلت إلى تفاهمات تستند إلى خلق إجماع بأولوية الحرب على الإرهاب المتمثل في تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة بتسمياته المختلفة وفصائله المتعددة في «هيئة تحرير الشام» ومع انخفاض وتيرة الحرب بين المعارضة والنظام ستتصاعد الحرب ضد القاعدة وتنظيم الدولة.
مكافحة الإرهاب أصبحت نقطة مشتركة بين النظام والمعارضة مع الاختلاف حول تعريف الإرهاب والإرهابيين وهي نقطة مشتركة بين أمريكا وروسيا وقد بدا ذلك واضحا من خلال العملية التفاوضية التي دشّنتها روسيا وتركيا في الآستانة عاصمة كازاخستان في 23 يناير 2017 وانطلاق الجولة الرابعة من المفاوضات في جنيف عاصمة سويسرا برعاية الأمم المتحدة في 23 فبراير 2017 وقد جاءت جنيف 4 عقب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في سوريا أواخر ديسمبر 2016 وجولتين من المفاوضات بين النظام والمعارضة المسلحة في أستانا برعاية روسيا وتركيا بصفتهما ضامنتين.
محادثات أستانة ثم جنيف دشنت مسارا جديدا في النزاع السوري جاء عقب التحوّل المفاجئ في السياسة التركية على وقع المحاولة الانقلابية الفاشلة التي وقعت في تموز الماضي والتي دفعت الرئيس أردوغان إلى التركيز على التحديات السياسية والأمنية الداخلية حيث جرت تفاهمات تركية روسية بمقايضة حلب مقابل الباب وتخلي الأتراك عن مطلب الإطاحة بالأسد وتوظيف المعارضة السورية وفق متطلبات السياسة الداخلية والخارجية التركية.
مسار المعارضة السورية من أستانة إلى جنيف 4 يذهب باتجاه محتوم نحو إعادة التأهيل والانخراط في مؤسسات الدولة التي يرأسها بشار الأسد في سياق مرحلة انتقالية تعمل المعارضة خلاله على تشكيل جيش وطني يمكن إدماج بعض مكوناته في أجهزة النظام السوري العسكرية ويقاتل جنبا إلى جنب الجماعات والمنظمات التي ستوصف ويجري التعامل معها كحركات إرهابية وقد دشنت أستانة وجنيف دينامية دولية تعمل على توسيع نطاق المعارضة المعتدلة المستعدة للانخراط والمشاركة في المفاوضات كفصائل الجبهة الجنوبية وقد اقترحت تركيا في مؤتمر أستانة خضوع المجموعات المسلحة إلى حكومة انتقالية تتشكّل بعد توقيع اتفاق السلام وتحت مظلة الرئيس الأسد.
تكمن خطورة التصورات السياسية بإضعاف المعارضة المسلحة وعدم قدرتها على مواجهة تنظيم الدولة والفصائل التابعة له كجيش خالد بن الوليد في الجنوب ومواجهة هيئة تحرير الشام في إدلب وامتداداتها في الشمال والجنوب بحيث تفقد مصداقية تمثيلها والحاجة لاستدخالها في هياكل النظام السوري فقد باتت المعارضة الموصوفة بالاعتدال في وضع جغرافي عسكري معقد ومحاصر.
لا يزال الحل السياسي في سوريا بعيد المنال ورغم انخفاض وتيرة المواجهة العسكرية فإنها مرجحة للتصاعد خلال الأعوام الثلاثة المقبلة لكنها ستكون بين الجماعات الجهادية الموصوفة بالإرهاب من جهة والتحالف الدولي وروسيا وإيران النظام وفصائل المعارضة من جهة أخرى ومن المرجح أن تخرج بعد معارك قاسية الجماعات الجهادية من المدن لكنها ستقوم بشن حرب عصابات مكلفة وشاقة تطال ذات المدن وغيرها بعمليات تعكر صفو حلول سياسية براغماتية لا تستند إلى العدالة ولا تقوم على أساس ترسيخ أنظمة ديمقراطية حقيقية.
عن الرأي