وفيات من الاردن وفلسطين اليوم الاحد 22- 12- 2024 بعيدا عن الخصومة.. باريس سان جيرمان يوجه رسالة خاصة لكيليان مبابي غارات جوية على العاصمة اليمنية صنعاء تحذير لمرتدي العدسات اللاصقة أثناء النوم! علامات رئيسية تكشف الكذب في ثوان مصر.. البرادعي يعلق على زيارة الوفد الأمريكي لسوريا ولي العهد للاعبة التايكواندو الصادق: كل التوفيق في مشوارك الجديد أبو زيد: الاحتلال بالسيطرة على جزء من سد الوحدة يريد خنق الأردن مائياً - فيديو قاد عملية الإطاحة بالأسد .. أبو قصرة وزيراً للدفاع السوري أستون فيلا يهزم مانشستر سيتي ويعمق جراح غوارديولا "اشتكي لوالدك جو".. مستخدمو منصة "إكس" يهاجمون زيلينسكي بعد قصف قازان الحكومة تتوقع إقرار تعديلات الإجازة بدون راتب خلال اسبوعين حكومة حسان بعد 100 يوم: 41 قرارا اقتصاديا للاستثمار دودون: السلطات المولدوفية دمرت اقتصاد البلاد بذريعة مكافحة الفساد فصائل فلسطينية منها حماس: وقف إطلاق النار بغزة بات "أقرب من أي وقت مضى"

القسم : مقالات مختاره
المواطنة والإسلام والدولة الحديثة
نشر بتاريخ : 2/20/2017 12:10:39 PM
حسن أبو هنية

حسن أبو هنية

لا جدال أن المواطنة مصطلح سياسي حداثي نشأ في الفضاء التداولي الأوروبي وسرعان ما أصبح متداولا على نطاق عالمي وبات أحد الأسئلة الأكثر تناولا في مجال الإصلاح عربيا وإسلاميا باعتباره أحد المفاهيم المفتاحية الذي تأسست عليه الدولة الحديثة وقد أثار المصطلح منذ دخوله العالم العربي الإسلامي جدلا حول وجود نظير يكافئه في الحضارة العربية الإسلامية يمكن مقاربته وإعادة تداوله أو تبييئه في الواقع العربي الإسلامي المعاصر.

في سياق رسم حدود فاصلة بين الحضارات والثقافات أصر كل من المستشرق برنارد لويس والمنظر السياسي الثقافوي صموئيل هنتنغتون على أن مفهوم المواطنة غريب تماما عن الإسلام، ورغم مجانبة أطروحات لويس هنتنغتون للحقيقة في مجمل الأفكار المتعلقة بالإسلام فإننا نجد لهما أنصارا ومؤيدين في العالم العربي والإسلامي إذ يتفق بعض الباحثين والمفكرين العرب على غياب مفهوم المواطنة في الإسلام فالمفكر المصري سمير أمين يؤكد بأن «المساواة القانونية لم تكن سمة من سمات الأنظمة التقليدية العربية أو الشرقية», ويميل إلى هذا الرأي المفكر الجزائري محمد أركون الذي يؤكد على أن مفهوم الجماعة السياسية في الإسلام يخلو من أية محاولة لتطوير «سياق للمواطنة كشرط ضروري ليس لنشوء حكم القانون فحسب, بل لظهور المجتمع المدني الذي يستطيع السيطرة على سلطات الدولة».

إن التحيز اللا تاريخي يفضي إلى حالة من العمى عن رؤية مصطلحات إسلامية تكافئ مفهوم المواطنة الذي نشأ وتطور في الفضاء الأوروبي حيث اقترن مفهوم المواطنة بالفصل بين دائرتين من دوائر الحياة, وهما: «الدائرة العامة» و»الدائرة الخاصة» إذ يدخل في دائرة الحياة العامة كل المعايير والقوانين والمؤسسات التي تتوسل بها الدولة في تنظيم علاقات الأفراد رعاية للصالح العام, ويدخل في دائرة الحياة الخاصة كل ما اختص به الأفراد من حريات وحقوق لا تطالها سلطة القانون ولا تخضع لنظام المجتمع, فالمواطنة تتحدد في سياق نظرية في العدل تقوم على الفصل الحداثي بين الدائرتين فمن مقتضيات هذه النظرية أن يتمتع أفراد المجتمع الحداثي بالمساواة القانونية من أجل النهوض بواجب المشاركة في تدبير الشأن العام بغض النظر عن اختلافهم في الخيارات والانتماءات التي تعتبر جزءا من الحياة الخاصة.

لقد استقر لدى منظري الفكر السياسي عموما والأمريكيين منهم خصوصا حسب الفيلسوف طه عبد الرحمن أن هناك موقفين متباينين من النظرية الخاصة في العدل التي تتأسس عليها المواطنة تشدد الأولى على التفريق بين المواطنة والأخلاق وهو موقف «الليبراليين» وأشهر ممثليه فيلسوف الفكر السياسي الأمريكي جون رولز, ويرى هؤلاء أن المواطنة جملة من الحقوق الفردية تحددها نظرية العدل، وضعت خارج نطاق الأخلاق, فالأفراد قاموا بتحديد مبادئ هذه النظرية السياسية حفظا لمصالحهم بعد أن تجردوا من القيم والأغراض والأوضاع والأدوار التي تخصهم, من أجل الحصول على حقوق متساوية مع غيرهم, على اعتبار أن الرؤية الأخلاقية شأن خاص كالعقيدة الدينية, أما نظرية العدل التي توجبها المواطنة فشأن عام ولا يخفى أن هذه النظرية على الرغم من توسعها المادي تجاهلت كليا اعتبار الأخلاق مؤثرة في الحياة العامة وأما الثانية فتقوم على أساس الجمع بين المواطنة وأخلاق الجماعة ويمثل هذا الاتجاه فئة من المفكرين السياسيين المعاصرين الذين يطلق عليهم «الجماعانيين» وأشهر ممثليهم الفلاسفة الأمريكيون مثل ميكائيل صاندل وشارلز تايلور وألسدير ماك انتاير وميكائيل ولتزر, ويرى هؤلاء أن المواطنة لا توجد إلا مقترنة بموقع من المواقع داخل المجتمع, فكل مواطن يرتبط بتاريخ وتراث مخصوصين, والقيم الثقافية هي جزء من هذه الثقافة المخصوصة ولذلك يجب تأسيس الحقوق التي يتمتع بها هذا المواطن على القيم التي تأخذ بها الجماعة, وبهذا تصبح الأخلاق هي الأساس التي تقوم عليه الحياة العامة وعلى الرغم من استيعاب هذه النظرية لدائرتي الحياة العامة والخاصة للمواطن فإنها لم ترتق إلى رتبة يتحقق بها تحصيل أعلى القيم الروحية, واكتفت النظرية بالعادات الثابتة التي تتوارثها الجماعة.

إن المحاولات التجديدية للخطاب الإسلامي الجديد لمفهوم المواطنة غفلت عن بناء المواطنة على أساس النظر الأخلاقي وهو الأمر الذي أفقدها تماسكها وانسجامها مع المنظور الإسلامي حسب عبد الرحمن فقد اتجه المفكرون الإسلاميون المتأخرون إلى التأكيد على اعتبار المجتمع الإسلامي هو قاعدة الولاء وأساس العمل السياسي فالمودودي وسيد قطب رفضا الحلول الوسطية وأكدوا على ضرورة اقتصار المجتمع على المسلمين وطبقا لهذه الرؤية لا توجد مشكلة مواطنة لغير المسلمين لأن الدولة هنا تنشأ من قبل المسلمين ولأجلهم فقط أما بالنسبة لغير المسلمين فبإمكانهم العيش كأقليات تحميها الدولة.

وعلى الرغم من قبول حسن البنا لأصول الدولة القومية الحديثة والنظام البرلماني فانه لم يتبلور موقف محدد لجماعة الإخوان المسلمين بخصوص مسألة المواطنة وإن كنا نشهد في الآونة الأخيرة قبولا لمفهوم المواطنة تمت استعارته من مؤسسي الخطاب الإسلامي الجديد الذين هم خارج إطار الجماعة, فقد بدأت المواقف الإسلامية بالتطور نحو قبول المواطنة الكاملة لغير المسلمين ويعتبر الدكتور فتحي عثمان من أوائل المفكرين الذين أعادوا النظر في المفهوم من خلال التأكيد على ضرورة التسامي فوق التصنيفات والطبقات القديمة التي يشير إليها مصطلح «أهل الذمة» وقبولهم كمواطنين يتمتعون بجميع الحقوق على أساس إقرار نوع من التبادلية والتعاون الدولي الذي تفرضه العولمة في هذا المجال.

قدم عدد من المفكرين الإسلاميين مقاربات مماثلة كفهمي هويدي وطارق البشري وسليم العوا وأحمد كمال أبو المجد والغنوشي وغيرهم, فيرى هويدي ضرورة تجاوز الصيغ والمفاهيم التقليدية بسبب التطورات الحديثة بالاعتماد على المبادئ الأساسية للقرآن والسنة, كما طور العوا أطروحة تعتمد على التضاد بين ما أسماه «شرعية الفتح» و»شرعية التحرير» فالدولة الإسلامية الحديثة ظهرت إلى الوجود نتيجة صراع التحرير الذي ساهم فيه غير المسلمين بصورة مساوية للمسلمين، ولذلك فهم يستحقون حقوقا كاملة كمواطنين, فالصيغ السابقة لم تعد قابلة للتطبيق, أما الغنوشي فيرى أن غير المسلمين قد يصبحون مواطنين في حالة قبولهم بشرعية الدولة الإسلامية إلا أنهم لا يتسلمون مناصب رئيسية في الدولة, أما طارق البشري فينطلق من التمييز الذي أقامه الماوردي بين منصبي «وزير التفويض « و»وزير التنفيذ» ويرى أن الدولة الديمقراطية الحديثة لا تتوفر على منصب ولو كان رئيس الدولة يملك سلطة مطلقة, ولذلك لا بد أن تكون جميع المناصب في الدولة الإسلامية الحديثة متاحة للمواطنين غير المسلمين.

المساهمة الأبرز في توسيع مفهوم المواطنة إسلاميا جاء بها المفكر والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن وذلك من خلال إبراز أوجه القصور الذي عاب مفهوم المواطنة الحداثي الغربي بشقيه الليبرالي والجماعاني, وذلك من خلال الالتفات إلى الأساس الفلسفي والأخلاقي الذي ينطوي عليه مفهوم المواطنة الذي يقوم على مبدأ إقامة العدل في المجتمع, فقد بين أن التصور الليبرالي يفضي إلى إيقاع المواطنة في انفصال مثلث هو: انفصال الذات عن الواقع وعن الآخر وعن نفسها وبين أن التصور الجماعاني يفضي إلى إيقاع المواطنة في انغلاق مثلث هو: انغلاقها في الجماعة والخصوصية والعادات, أما المواطنة الصالحة فلا تكون إلا مواطنة متصلة ومنفتحة أي عبارة عن مؤاخاة.

عن الرأي

جميع الحقوق محفوظة © الحقيقة الدولية للدراسات والبحوث 2005-2023