حسن أبو هنية
أدت التفاهمات الروسية التركية حول سوريا إلى تشكل واقع سوري جديد على الصعيدين الميداني العسكري والدبلوماسي السياسي من خلال طرح منظورات مغايرة وفرض وقائع جديدة بدأت بإخراج المعارضة المسلحة من حلب وتدحرجت إلى محطة الأستانة وانتهت باقتراح دستور سوري جديد، وقد خلقت مفاعيل التفاهمات الروسية التركية وإجراءاتها المتلاحقة ديناميكية فصائلية متسارعة أدت إلى وقوع صدامات بين الفصائل السورية المسلحة وحدوث عمليات فرز واستقطاب وولادة انشقاقات وإعادة بناء تحالفات في سباق محموم مع زمن الانكسارات بعد أن حشرت المعارضات المسلحة في منطقة جغرافية ضيقة في مدينة إدلب وتناثرها في الأرياف.
تتمحور التحالفات حول أكبر فصيلين في المعارضة السورية المسلحة وهما جبهة «فتح الشام ــ النصرة سابقا» والتي أعلنت عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة دون جدوى وبين حركة «أحرار الشام» حيث أعلنت فصائل جهادية بارزة في الشمال السوري، الاندماج في تشكيل جديد أطلق عليه اسم «هيئة تحرير الشام»، يقودها الأمير السابق لحركة «أحرار الشام الإسلامية» هاشم الشيخ، الملقّب بأبي جابر الشيخ، بمباركة دعاة وشيوخ في مقدمتهم القاضي العام في «جيش الفتح» السعودي عبدالله المحيسني، والتي جاءت بعد التطورات المتسارعة عقب الإعلان عن فشل اجتماع عقد بين قائد «فتح الشام» أبومحمد الجولاني، وعدد من قادة الفصائل والدعاة في الشمال السوري، لوقف القتال بين «فتح الشام» وحلفائها، وفصائل معارضة مسلحة والتي أعلنت انضمامها واندماجها في صفوف حركة «أحرار الشام الإسلامية».
المشهد الفصائلي الجديد أسفر عن ولادة كيانين كبيرين وهما «هيئة تحرير الشام» و»حركة أحرار الشام» لكن الأمر المؤكد أن دينامية التوحد هي نتاج الخوف وليس الثقة خشية أن ينفرد الأقوى بالأضعف حيث يلجأ إلى طرف أقوى لتجنب الخسارة والتفكك والانهيار، فديناميات الانقسام هي الأصل في الحركات الإيديولوجية السلفية المتصلبة لأسباب دينية تتعلق بسياسات الحق والحقيقة ومفاهيم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، ومواضعات المصلحة المرسلة واستراتيجيات السيطرة والنفوذ.
يمكن فهم بنيّة التحالفات الهشة في محيط صراعي ملتبس وفي أجواء غياب اليقين حول المستقبل، إذ لم تعد معظم فصائل المعارضة المسلحة بعد التفاهمات الروسية التركية مطمئنة على مصيرها فالاستراتيجية الروسية الخاصة بمكافحة الإرهاب كما طبقت في الشيشان تقوم على خلط الاعتدال بالتطرف ودفعها للتنازع والاقتتال والاستراتيجية التركية لحرب الإرهاب في تشكلها الجديد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة تعيد تعريف الاعتدال والتطرف وتتعاون مع الفصائل التي تضمن أمنها القومي ممثلة بفصائل «درع الفرات».
حرب الفصائل بدأت في العقول على خلفية ما حدث في حلب وانتقلت إلى الأرض بسرعة فائفة بعد مؤتمر الأستانة والذي نص في أحد بنوده على ضرورة التوافق على قتال «داعش» و»النصرة» وحلفائهما ونظرائهما ومن باب الحرب الاستباقية بدأت الأطراف بالتناوش وخصوصا النصرة التي شعرت بمحاولة عزلها وتصفيتها وبدأت باستفزاز واختبار الفصائل المرشحة لقتالها كجيش المجاهدين وصقور الشام وغيرها من فصائل الجيش الحر، وعندها أعلنت سبعة فصائل تابعة لـ المعارضة السورية المسلحة توحدها في قتال جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) ردا على ما وصفته باعتداءات هذه الجبهة عليها، في حين دعت النصرة الفصائل إلى تشكيل تكتل سني موحد.
قائد جيش المجاهدين محمد جمعة بكور حينها إنهم وفصائل الجبهة الشامية وحركة أحرار الشام وصقور الشام وجيش الإسلام وتجمع «فاستقمْ كما أُمِرْت» وفيلق الشام بدأوا قتال «فتح الشام» في إدلب وريفها ردا على ما وصفته الفصائل ببغي هذه الجبهة عليها، وأكد أن المواجهات محتدمة في جبل الزاوية بريف إدلب، حيث سيطرت فصائل المعارضة على قرى دير سنبل وشنان وبينين، بعد أن طردت جبهة فتح الشام منها، وجاء ذلك بعد هجوم شنته «فتح الشام» على فصيل جيش المجاهدين.
عندما أصدرت جبهة «فتح الشام» بيانا توضح فيه الأسباب التي دفعتها للتصعيد ضد فصائل في الشمال السوري، وأبرزها «جيش المجاهدين» و»الجبهة الشامية» قالت أن ما دفعها لاتخاذ قرار بمصادرة أسلحة الفصائل ومقراتها هو مشاركة قادة هذه الفصائل في مفاوضات «تحاول حرف مسار الثورة نحو النظام المجرم، وتسليمه البلاد، بعد ست سنوات من التضحيات» وادعت أنها تشكل ثلثي القوة العسكرية للثورة السورية، ودعت جميع الفصائل إلى إقامة كيان «سنّي» موحد، ليشكل قوة عسكرية وسياسية تملك القرار في السلم والحرب.
حركة أحرار الشام الإسلامية في بيان صدر عنها اتهما في المقابل جبهة فتح الشام بالعمل على تنفيذ «مخططات تخدم قوات النظام في إنهاء الثورة السورية عبر بغي الجبهة على بقية فصائل المعارضة»، مؤكدة أنها ستنشر قوات ردع لمنع المواجهات بين الفصائل، وأيد أحرار الشام «المجلس الإسلامي السوري» الذي يضم قرابة 40 هيئة ورابطة إسلامية من «هل السنة والجماعة» في الداخل والخارج، ومن ضمنها الهيئات الشرعية لأكبر الفصائل الإسلامية في سوريا، ويترأسه الشيخ أسامة الرفاعي، وقد أفتى المجلس بوجوب قتال جبهة «فتح الشام» في سوريا، وردّها عن «بغيها»، وقال إن «الجبهة بغاة صائلون معتدون، استحلوا الدماء والحرمات» وأن «قتالهم شرعي مبرر، ومن سيتردد فسيكون ضحيتهم المقبلة، ولا يعذر أحد شرعًا بنكوصه عن قتالهم تذرعًا بورع بارد»، وطالب البيان بـ «عدم إيقاف قتالهم إلا باستئصالهم».
حرب الفصائل السورية المسلحة المنتظرة قيد التأجيل لكنها ستأخذ استراحة بانتظار ديناميكيات أخرى للتفاهم الروسي السوري بانتظار ما ستفعله أمريكا ترامب من خطوات، وهكذا أصبح مشهد الفصائل منقسما بين «هيئة تحرير الشام» و»حركة أحرار الشام» حيث تضم الأخيرة «ألوية صقور الشام، وجيش الإسلام - قطاع إدلب، وجيش المجاهدين، وتجمع فاستقم كما أمرت، والجبهة الشامية - قطاع ريف حلب الغربي» بزعامة علي العمر أمير أحرار الشام، وتضم «هيئة تحرير الشام» كلا من «جبهة فتح الشام»، و»حركة نورالدين زنكي»، و»لواء الحق»، و»جبهة أنصار الدين»، و»جيش السنة» بقيادة أبوجابر هاشم الشيخ» القائد السابق لحركة «أحرار الشام» الذي كان قد انشق عن الحركة وأسس «جيش الأحرار»، ولكن السؤال هل ستصمد الائتلافات الجديدة؟ أعتقد أن ذلك غير ممكن إن لم يكن ضربا من المستحيل.
عن الرأي