سيظن البعض أن ما سأطرحه في هذا المقال
ربما يكون الحديث عنه مبكراً جدا، خاصة أننا في طور تولّد أحزاب جديدة ومتعددة لم
تكتمل أفكارها ونهجها بعد، وأن الحديث عن حوار وطني يشمل مناظرات بين الأحزاب يكشف
أوجه التحديث الديمقراطي الجديد.
فالحوار الوطني والمناظرات الحزبية نحن
بحاجة ماسة إليها لنتعرف على المواقف الحزبية بشكل أكبر وخاصة في القضايا المهمّة
التي تهم مختلف فئات الشَّعب، وفصائله العاملة؛ بحيث تكون بعيدة عن القضايا
المركزية والرئيسة التي يطرحها أي حزب في برنامجه وأجندته العامة.
القضايا التي أتحدث عنها هي التي
يتعامل معها المواطن بشكل دوري وتمسه بشكل مباشر، فتثري هذه فكره الحزبي وتوسع
أفقه الحزبي، بحيث تدعم قناعته في الانضمام والانخراط بالأحزاب، وتساعده على تحقيق
الطموح في العمل الحزبي مستقبلا.
أما سبل المناظرات الحزبية فهي كثيرة
فمنها اللقاءات المفتوحة عبر وسائل الإعلام المُختلفة أو الندوات في الجامعات
والمؤسسات مع الحفاظ على آداب الحوار فيكون تغليب المُتحاورين للمصلحة العامّة على
المصالح الحزبيّة؛ فيكون الانعكاس إيجابياً على الجميع.
فالمناظرات الحزبية اليوم هي أحد أكثر
الأمثلة المذهلة للتغطية الإعلامية المعاصرة للسياسة، حيث أصبحت تقليدًا إلزاميًّا
للحملات الانتخابية خاصة المناظرات التلفزيونية في العديد من الدول الغربية،
باعتبارها واحدة من أدوات السياسة المعاصرة الأكثر إثارة على مستوى الممارسات
الديمقراطية، فوسائل الإعلام هي من تحرك الأحزاب والعملية الانتخابية كما يقال.
وبحسب الأبحاث والدراسات فإن المناظرات
تؤثر على تقييمات الأحزاب، وتؤثر بشكل كبير على درجة اهتمام الشارع بها، وتلعب في
كثير من الأحيان دورًا مهمًّا ومقنعًا في المشاركة الحزبية والحملات الانتخابية في
المستقبل.
فباتباع هذه السياسة ستحد من هوّة
الخلاف وفوضى المناكفات السياسية والصراعات الحزبيّة وستكون عاملا مهما في خروج
توصيات مشتركة تقلل من حجم المعارضة، وتعزز الجبهة الداخليّة للوطن وتزيد من
تماسُكه فيكون النجاح حليف السياسات المتَّخذة في شتى الجوانب والمجالات مستقبلا.
الأحزاب الموجودة اليوم مقبلة عاجلا أم
آجلا على قيادة وإدارة العملية السياسية والاقتصادية في المستقبل القريب وخاصة في
البرلمان والبلديات والنقابات وغيرها، وستكون لها الحصة الأكبر فيهم كون التنظيم
داخلها أصبح أفضل وأوسع من ذي قبل ولديهم حضور وإقبال وقبول لدى الشارع الأردني،
لذلك فمن الضروري فرز الأحزاب شعبيا بشكل يدعمها ويسرع الأفضل منها للوصول لقيادة
العملية الإصلاحية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وفي خاتمة المقال فإن هذه المناظرات
ستشير دوما إلى أن هناك رغبة قائمة لدى الفاعلين في التغيير السياسي بالأحزاب؛
أنهم يبحثون عن خلق آليات جديدة للتواصل وإثراء الثقافة الحزبية التي ترتكز على
العقلانية والاستقلالية في الاختيار، فليس هناك شك أن البداية قد تكون صعبة في
تأسيس المناظرات الجيدة على مستوى الوطن، لكن مع مرور الوقت وفي ظل بلورة ممارسات
مُثلى سترسخ هذه المفاهيم والنظم الديمقراطية في مجتمعنا بشكل إيجابي ومثمر وتسرع
في عجلة السير الديمقراطي إلى حدٍ كبير.