"وَأَنَّ ٱلۡمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ
فَلَا تَدۡعُوا۟ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدࣰا".. سُورَةُ الجِنِّ: ١٨
هكذا البداية ...لن تكون للأمة عزة إلا
إذا حُررت مساجدها ...
إن ما يحاولون التمويه به ، وإلصاقه بعقيدة المسلمين اليوم ممن تولوا كبره
من خطباء ووعاظ ودعاة وأخماس العلماء وبعض
الجماعات والأحزاب ، من أن المساجد جُعلت للصلاة والمواعظ المستهلكة الركيكة
والعقيمة ، وأن ذروة إيمان المرء ودليل فوزه ونجاحه كثرة دخوله وخروجه من المساجد حين ينادى للصلاة
، لهو ضرب من الوهم في الدين إن كان معتقدا ، أو فن من فنون تلبيس أباليس المسلمين
على الناس .
ليس هذا إنكارا لفضل الصلاة في المسجد ، وفضل صلاة الجماعة ، لكن القصد أن
صلاة الجماعة في المسجد ليست دليلا على صدق إيمان المصلين عامة وطهارة قلوبهم ،
وكمال رجولتهم ، وصدق نواياهم .
فبين من يحجزون مركعهم ومسجدهم في الصف الأول منذ عقود قاطع رحم ، وآكل ربا
، وآكل حرام ، وآكل ميراث ، ومغتاب ونمام ، ومتكبر !!
عندما يرتقي الخطيبُ المنبر ويضع قدميه موضع قدمي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فهذا إقرار منه بالسير على خطاه ، ومُلزِم له في أن يقول الحق ، ولا شيء
غير الحق" مما يُملى عليه " ، فالمساجد لله ، والمنبر منبر رسوله ،
والكلام عليه من الله رقيب عتيد ...
عجبا كيف يزيغُ الخطيب ..؟!!!
عجبا كيف يقبل الخطيب أن يكون أداة لمن
عطلوا المساجد وأفرغوها من رسالتها ...!!
ألا يظن الخطباء أنهم مبعوثون ؟؟
وأنهم محشورون لرب العالمين في يوم
عظيم ؟؟
وأنهم عما قالوا مسؤولون ؟؟
رأيت فيما رأيت من تهافت الخطباء على ارتقاء منابر المساجد الكبيرة ؟؟ فلا
أملك حين أرى ذلك منهم إلا أن يقرَّ بقلبي أنهم طلاب مظهرة ..وفتات الدنيا ،
ومقايضون بالدين ، وجدوا الدين سلما لقطاف بعض ثمار الدنيا من شهرة أو منصب أو مال
، فابتدروا ما أتيح لهم من فرص لذلك .
لماذا المساجد ؟
كان المسجد في زمن النبي عليه السلام مركزا لتوجيه وإدارة الدولة ، وحل
مشاكل الحكم ومشاكل الناس والقضاء لهم، وبيتا للمال ، ومركزا للقرارات الحربية ،
فيه عُقدت ألوية الحرب ومنه انطلقت ..
ما سمعته من خطيب الجمعة اليوم - مما يُملى عليه وعلى كافة الخطباء -
اسطوانة مكرورة ، مجّتها الآذان ، وعافتها الأنفس ..
بدأ يشكو للناس حال الأقصى ، ويؤجج مشاعرهم لتحريره ، ويضرب لهم الأمثال ، ثم بخبث المشرع
في محتوى خطبته جعل يلقي اللوم على المصلين !!
فسبب ضياع المسجد الأقصى هو قلة
المصلين في المساجد ، وغيابهم عن صلاة الفجر !!
وقرر أنه متى كان المصلون في صلاة الفجر كما هم في صلاة الجمعة فحينئذٍ
يأتي النصر !!
ولا أدري من أين أتى بهذه الشريعة ؟؟ ومن قرر له ذلك ؟
وما رأيه في الأعرابي الذي لحق بالنبي للقتال واستُشهد ولم يركع لله ركعة
!!
ما دور الصلاة في رجولته وصدق نيته ؟؟
واستشهدَ الخطيب لرؤيته هذه بحادثة نقض العهد في صلح الحديبية ، وكيف
استنجد عمرو بالرسول عليه السلام ، فهب صلى الله عليه وسلم بمن معه لنجدته ، وكان فتح مكة ، ثم عاد يلوم المصلين ويوبخهم : إن تهاونكم في
صلاة الجماعة ضيّع المسجد الأقصى !!!
بل ضاع الأقصى منذ اعتلى منبر رسول
الله من هم مثلك وعلى شاكلتك ، ممن سمحوا
لأنفسهم أن يكونوا أداة لتقزيم دور بيوت الله ، وتكميم منبر رسول الله عن قول الحق
، وحرفوا الكلم عن مواضعه.
نظريات صاغتها بعض الأنظمة من أجل مناصبهم وإرث عائلاتهم ؛ للخروج من دائرة
اللوم والاتهام بتقصيرهم في نصرة المسلمين ، وتقديم واجبهم تجاه دينهم ورجولتهم ؛
ليصبح سبب ضياع الأمة هم العامة ، بعيدا عن الحكام وحواشيهم ، فأصبحت هذه النظريات
المدسوسة ، وبترويج من بعض خطباء ودعاة السوء عباد الدرهم والدينار، وطالبي
المظهرة ، حقيقة أو قل عقيدة في أذهان الناس .
إن الذي هب لنصرة المسلمين حين نقضت قريش عهدها مع المسلمين هو محمد ( صلى
الله عليه وسلم ) القائد الأعلى، وحاكم المسلمين حينذاك .
والذي لبى نداء امرأة لأنها استغاثت "وامعتصماه" هو المعتصم
بالله ، الخليفة ، والقائد ، رغم تخاذل بعض حاشيته ، إلا إن رجولته وغيرته على دينه هي من دفعته لحمل السلاح ونصرة من استنصر به ،
ولم يذكر التاريخ شيئا عن دور أعداد المصلين في المساجد إذّاك ممن واضبوا على صلاة
الفجر في جماعة ، إنما ذكر التاريخ نخوة الحاكم ورجولته ، وحبه وإخلاصه لدينه ،
وخلاصه من خطباء الدرهم وطلاب الشهرة.
ثم إني أتساءل على صعيد آخر عن فلسطين: لماذا يلقون باللوم على الآخرين
عندما تحدث جريمة ما في الأقصى أو في الأراضي المحتلة؟؟؟
ما الفرق بين من خرجوا من ديارهم وتركوها عند الرصاصة الأولى ، وبين من
صمدوا حتى هذه اللحظة يدافعون عن دينهم وأرضهم بكل ما ملكت أيمانهم ، غزة على سبيل المثال لا الحصر ؟
خرجوا منها وتركوها في أول اختبار حين كان العرب والمسلمون جميعا إلى
جانبهم - بغض النظر عن الخيانات - وتصمد غزة اليوم وهي مدينة معزولة والعالم كله مسلمهم
وكافرهم يحاصرها ويقاتلها !!
أيها الفلسطينيون، لستم بحاجة إلى العرب ومزيد من الخذلان، فقط كونوا مثل غزة،
تعود لكم فلسطين وخيراتها.