بقلم: محمد يوسف الشديفات
يوسُفُ أيُّها الصِّدّيق .. والدي الحبيب .. سلام الله عليك ورحمة من لدنه وبركاته ..
اكتب لك يا والدي لأطمئنك على احوالنا جميعاً، فنحن ولله الحمد والمنّة بخير وعافية، نجتهد في ان نكون اقوياء، قلوبنا يملؤها الرضا بما قسم الله لنا، وألسنتنا تلهج بالدعاء لك في السر والعلن.
يوسُفُ أيُّها الصِّدّيق .. كيف حالك؟ وكيف حال والدتي؟ هل تسكنان الآن سوية؟ هل ما زالت ترتب اشياءك وتهتم بك كما كانت تفعل في السابق؟ هل ما زلت تقضي وقتاً طويلاً لتظهر حسن الهندام؟ لتحلق لحيتك؟ وتصفف مفرق شيبتك الجميل؟ لتضع عطرك المفضل؟ وتقضي وقتاً أطول في تفقد نظارتك وسبحتك وهاتفك المحمول؟
أود ان أفشي لك سرّاً كما اعتدت ان افعل دائماً .. لقد أخفى "أنس" عنا سبحتك، واخذت "اسماء" هاتفك المحمول، وأظن ان "احمد" قد استولى على شيء من اشيائك لا اتذكره الآن، اما انا فلم آخذ شيئاً خاصاً بك، لأنني أعلم جيداً كم يزعجك ان يستخدم احدنا حاجاتك اثناء غيابك، واما بقية مقتنياتك؛ المصحف الشريف الخاص بك، ادواتك الشخصية، ملابسك، فما زالت ماثلة أمامنا كمثول طلّتك التي لا تفارقنا، أشتمّها جميعها في الخفاء كلما غلبني الشوق اليك.
يوسُفُ أيُّها الصِّدّيق .. لقد مرّ الآن شهران ثقيلان على قلبي، دون ان نتبادل الاحاديث، ودون ان ارهقك بأسئلتي واقتراحاتي التي لا تنتهي، اعترف لك انني ما زلت اتلمّس حضورك عندما ابدأ بالكلام، ابحث عنك بين الوجوه، فلا اجد من يثني على حديثي فأكمله، او ان ترتسم على محياه ملامح الاستهجان والانكار فأتراجع عنه، اعترف لك انني افتقد دورك القيادي الحاسم، ابتسامتك الدائمة التي يخالطها نظرتك الغاضبة، قصص الماضي التي لا تُمل، نصائحك ومواعظك التي غابت معك.
يوسُفُ أيُّها الصِّدّيق ..
لن ارثيك .. فمثلك يغادر جسداً لا روحاً ..
لن ارثيك .. لأن مفردات الحزن تخجل من هيبتك ..
لن ارثيك .. لأنك بطل روايتي الأول والاخير ..
لن ارثيك .. لأنني سأبقى انتظر عودتك ..
ستبقى فينا ما حيينا، وندعو الله جلت قدرته ان ينزل على قبرك وعلى قبر والدتي الحنونة شآبيب رحمته، وان يجعل قبريكما روضتين من رياض الجنة، وان يجيرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيراً منها .. اللهم آمين.