بقلم: د هايل ودعان الدعجة
تتجه الأنظار في هذه الأوقات الى العاصمة الكازاخستانية أستانا ، التي ستشهد الاثنين القادم مباحثات سلام بين ممثلي الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة ، برعاية كل من روسيا وتركيا وايران وبحضور مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا (تم توجيه دعوة للادارة الامريكية الجديدة لحضور المباحثات ولم تحسم موقفها بعد ) لتثبيت وقف اطلاق النار في سوريا ، ووضع اطار عمل لمباحثات السلام السورية المزمع اجراؤها في جنيف في الثامن من شهر شباط القادم في إشارة الى اعتماد المرجعيات الدولية المتعلقة بالازمة السورية ، ممثلة في بيانات ومقررات واجتماعات جنيف وفينا ومجلس الامن في مباحثات الاستانة التي اختارت الانطلاق من المسار العسكري تحديدا هذه المرة ، والذي كان يشكل عائقا امام الجهود السلمية السابقة . رافق ذلك عدم جدية الولايات المتحدة في حسم ملف الازمة السورية في عهد إدارة باراك أوباما السابقة ، التي كانت تميل على ما يبدو الى إطالة أمد هذه الازمة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب . كذلك لم يلاحظ اتخاذ أي إجراءات رادعة بحق أي من اطراف النزاع السورية التي كانت تقوم بخرق وقف اطلاق النار الذي يتم التوصل اليه في الاجتماعات الدولية السابقة ، حتى قبل ان تدخل روسيا وبقوة على خط هذا ( الملف ) وتمسك بجميع أوراقه وتتحكم بمخرجاته . ما يؤشر الى احتمالية ان تكون أجواء مباحثات الاستانة مختلفة وايجابية هذه المرة خاصة انها تأتي بمبادرة ورعاية روسية . إضافة الى ان الظروف الدولية باتت مواتية لايجاد حل سياسي للازمة السورية من حيث وجود إدارة أمريكية جديدة تميل الى حسم ملفات المنطقة بشكل نهائي ، وقد يكون رد فعلها مختلف عن الإدارة السابقة في التعاطي مع هذه الملفات ومنها الملف السوري في ظل طرح الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب شعار ( امريكا عظمى مرة أخرى ) وبصورة قد لا تتوقعها روسيا التي تحرص على التقارب مع ترامب .
إضافة الى شعور روسيا بحجم تأثير ضغط المجتمع الدولي وردوده السلبية والغاضية من ممارساتها الوحشية ضد المدنيين السوريين وهدم المباني السكنية على ساكنيها واستهدافها للمدارس والمستشفيات والبنى التحتية والمعارضة المعتدلة وعدم استهداف للتنظيمات الإرهابية ، ما يجعلها عرضة لفقدان علاقاتها مع امريكا ودول اوروبا والدول العربية السنية التي قد تتهمها بالانحياز الى الأطراف الشيعية ، الى جانب الكلفة المالية الباهظة التي ستتكبدها روسيا التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة على وقع العقوبات الغربية المفروضة عليها وانخفاض أسعار الطاقة بشكل كبير . كذلك ادراك النظام السوري جدية المساعي السياسية تجاه الحل السلمي ، والتقاط الرسالة من وراء سحب روسيا جزءا من قواتها العسكرية من سوريا .
اما فصائل المعارضة التي خسرت مواقع سيطرتها في مناطق حلب الشرقية ، فتسعى الى اغتنام الفرصة لتثبيت اقدامها في الخارطة السياسية السورية المستقبلية وعبر مرجعية الاستانة الدولية. في حين ان تركيا الراعي الثاني لهذه المباحثات الى جانب روسيا ( والى حد ما ايران ) والتي كان لها الدور الأبرز في تشكيل وفد ممثلي المعارضة المسلحة ، فقد تخلت عن شرطها ومطلبها برحيل الرئيس السوري بشار الأسد لحل الازمة السورية بعد تقاربها مع موسكو ، وبحجة تغير الكثير من الحقائق على الأرض .
اما ايران ، فتسعى الى ان تكون المستفيد الأكبر من الازمة السورية تنفيذا لمشروعها الاستراتيجي الإقليمي بتأمين ممر بري يمتد من حدودها الى لبنان مخترقا الأراضي العراقية والسورية . لذلك فهي تحرص على أفشال مباحثات الاستانة التي قد يكون على جدول أعمالها بندا يتعلق بإخراج الجماعات الأجنبية من سوريا ومنها الميليشيات الشيعية ، وهو ما تخشاه ايران التي تميل الى استمرار الحرب للسيطرة على أراضي سورية ، وانتهاج سياسة التغير الديموغرافي واحلال المكون الشيعي محل المكون السني . لضمان حصة مناسبة لها من الكعكة السورية عند الحديث عن تسوية سياسية .