صارت الدوحة سيدة العواصم، وصار القطريون هم
الذين يتقدمون صفوفنا مع الثلة التي ما زالت تنافح في كل المحافل ولكنها قطر الان
تقدم وهجا جديدا ومختلفا، لقد تراجعت الروح التي كانت تبعث فينا الأنفة التي خبت
وكبت وتقهقهرت وعادت قطر تقطر إشعاعا
يوازي ما قدمناه للحضارة الانسانية، ونجحت قطر في الاستناد لتاريخ عظيم وقيم نبيلة
لتقدمهما من خلال منصة مونديال قطر 2022م ، كم أمتليء بالفخر يا دوحة العرب وأنا
أرى هذه الالاف التي تمتليء بمدرجات خليفة وثمامة والمدينة التعليمية و 974،
والبيت ولوسيل والجنوب وأحمد بن علي، لقد أبهرت قطر الملايين حين أضفت قيم الامة
في الافتتاح وأجبرت العالم أن يقرأ عن ديننا وتاريخنا، وصار علينا ان نعترف أن قطر
استطاعت حين عجز الكثير أن تتقدم الجميع لتمثل حضارتنا بإقتدار، ثم علينا ان نعترف
أن توظيف المال لصالح مستقبل الشعوب هو استثمار لأجل الأجيال القادمة التي تتحصن
في عباءات التاريخ الذي مله الكثير باسم التقدم والحداثة، في حين أن قطر قد وازنت
بين الحداثة والأصالة، حين تحدث الغرب والشرق في إستاد البيت الذي جعلت العالم
يسكن في خيمة واحدة، ليقول القطريون باسم كل العرب أننا نركب في مركب واحد وعلينا
أن نتحدث ونتحاور ونلتقي ونتقي شر الحروب وويلات الجوائح والامراض، وعلينا في إطار
لعبة يعشقها شبابنا وأطفالنا وشيوخنا أن نرتقي الى الاخوة الانسانية فالانسنة هي
أساس التعايش، " يا بني ادم انا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو"، ولذلك
يلتقي الناس ليتعارفوا في أخلاقهم وعاداتهم ودينهم ولونهم، ليكونوا أقرب وأكثر
قدرة على التحاور، ولذلك جعلت قطر من افتتاحها المتفرد لهذا المونديال أن ترسل
رسائل بكافة الاتجاهات وقد استطاعت وابدعت في نقلها لرسائل مليئة بالمعاني السامية
التي أختصرت الكثير مما حدث خلال عشرات السنين، فقد تم زرع الكراهية حين القت
الطائرات بوبال القلوب السوداء على غزة وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وطرابلس
والكثير من العواصم العربية باسم التحرير والتحرر، وحين أقدمت الكثير من الجيوش
على مساعدة القتلة باسم الحرية، فقد سُمح لخناجر الجبناء أن تفتك بقلوب الشهداء،
وصار يموت من لا يستحق الموت على من لا يستحق الحياة، وامتلأت صدور الابطال
بالرصاص وامتلأت بطون الخونة بالمال.
خرجت قطر لتعلن أننا قادمون لنساهم في الحضارة
الانسانية بما نمتلك من قيم واخلاق لا بما نملك من قوة وتجبر، وصار بوسعنا أن
نقولها بالفم الملان أن القوى العظمى التي كان عليها ان تقف الى جانب الحق تقف الى
جانب القوى الطاغية، وتكيل الحقوق بمكيال المنتصر والمتجبر، وعلينا ان نتيقن ان
العالم يسير نحو تراجع الكبار لاجل الذين يضعون في المستقبل قيمهم، ويمتلكون إرثا
بشريا وانسانيا ودينيا يجعل من مواقعهم منصات للأمل مهما كانت المساحات، فالعالم
يسير باتجاهات مختلفة تجعل معيار القوة مرتبط بالاخلاق،
"إنما الامم الاخلاق ما
بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" .
قطر أضفت على هذا المونديال معايير مختلفة حيث
أن هذا الحدث يمثل معبرًا للامكنة في جميع أنحاء العالم، وهناك الكثيرين يرقبون
قيمنا التي لم ينتبه اليها الكثير الا من خلال الحروب التي صدرها العالم
"المتحضر " الينا باسم الحق والحرية، في حين أنها كانت تهدف لازاحتنا من
الفعل الحضاري ، ونرجو ان تتضافر الجهود في كل البلدان العربية والاسلامية، وكل
الداعين لرفعة الانسان وتقدمه، بأن تتكاثف الجهود مع كل الذين يرغبون بالخير
والسلام لهذا الكوكب.