حسن أبو هنية
لا جدال أن مؤتمر أستانة للبحث عن سبل حل للأزمة السورية المزمع انعقاده نهاية الشهر الجاري في كازخستان لا يمكن أن يفضي إلى وضع حد نهائي للصراع في سوريا الذي مضى عليه قرابة 6 أعوام وذلك نظرا لكون الصراع في سورية يعتبر أحد أعقد الصراعات المعاصرة بسبب تداخل ديناميات النزاع المحلي والإقليمي والدولي فقد أصبحت سورية مركزا رئيسيا للصراع بين الفاعلين من الدول والفاعلين من غير الدول كالجماعات الجهادية العابرة للحدود.
محطة أستانة لن تكون نهاية المطاف فهي تفتقر إلى مرجعية دولية موحدة وجاءت على خلفية التقارب الروسي التركي بعيدا عن الولايات المتحدة التي انشغلت بالانتخابات الرئاسية ثم إجراءات ترتيب نقل السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وقد شكل «إعلان أنقرة» بانجاز اتفاق وقف اطلاق النار بين النظام والمعارضة بضمانة روسية وتركية نقطة التحول للبحث السياسي في أستانة رغم الإشكالات العديدة التي رافقت وقف إطلاق النار من طرف النظام السوري والمليشيات التابعة لإيران في محاولة لفرض شروط إضافية على المعارضة المسلحة والبرهنة على قدرة النظام السوري وإيران على تعطيل أي مسار لا يلبي طموحات هذه القوى الفاعلة.
أحدى المسائل الإيجابية للتقارب الروسي التركي هي الخروج من جدل تعريف الحركات الإرهابية الذي استغرق سنوات دون التوصل لاتفاق بين القوى المختلفة مع إصرار روسيا وإيران ونظام الأسد على اعتبار كافة فصائل المعارضة المسلحة إرهابية فالاختراق الأخير يؤسس لبداية جديدة تعيد تموضع فصائل المعارضة المسلحة التي كان النظام وحلفاؤه يصفونها بالإرهابية ويمنحها الشرعية كممثلة للمعارضة، وذلك بعد الاتفاق على آليات تشكيل الوفد المفاوض إلى المؤتمر المزمع عقده في آستانة أواخر هذا الشهر الجاري.
بالنسبة للسوريين تتمثل الخشية بأن يصبح مؤتمر أستانة الخاص بالمسألة السورية نسخة عن أوسلو القضية الفلسطينية حيث تنحى المرجعية الأممية ويتولى تمثيل المعارضة السورية في التفاوض أحد أطراف المعارضة التي وقعت على وقف إطلاق النار الأمر الذي سوف يقوض «الهيئة العليا للمفاوضات» وإذا تم إقصاء المرجعية الأممية والتي يعبر عنها قرار مجلس الأمن رقم 2254 فسوف تبرز إشكالات يصعب حلها وقد تنسف اتفاق وقف اطلاق النار ومؤتمر أستانة ذاته.
لا شك بأن مؤتمر آستانة يأتي كنتيجة مباشرة لعجز المجتمع الدولي عن التوصل لحل مقبول من كافة أطراف الصراع في سوريا وتدرك كل من روسيا وتركيا ضحالة نتائج مؤتمر أستانة إذا لم تشارك فيه أمريكا ولذلك أعلن عن رغبة الطرفين بمشاركة الولايات المتحدة دون توجيه دعوة رسمية حتى الآن، رغم أن روسيا كانت في البداية متعنتة في قبول الدور الأمريكي وخصوصا بعد ما حدث في حلب، كما أن روسيا بدت أكثر انفتاحا في تحديد وفد المعارضة بعد أن كان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوفقد صرح في وقت سابق أن «وفد الحكومة وممثلي المعارضة سيشاركون في الاجتماع في أستانة»، مشيرا إلى أن وفد المعارضة هو على الأرجح سيمثل القوى الموجودة «على الأرض» في سوريا.
من الناحية العملية لم يعد الحديث عن المعارضة السورية المسلحة المعتدلة ذا قيمة ذلك أن أجندتها وأهدافها المتعلقة برحيل الأسد وبناء دولة ديمقراطية مدنية لم يعد على أجندة أي من القوى الدولية والإقليمية فتركيا كأحدى أهم الدول التي ساندت الثورة السورية تخلت عن كافة ثوابتها السابقة المتعلقة برحيل الأسد وإسقاط النظام، وأصبحت مهمتها تقوم على حفظ مصالحها القومية بمنع كيان كردي والتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية من خلال عملية «درع الفرات».
خلاصة القول أن مؤتمر أستانة يشكل أحدى محطات البحث عن حل لأعقد الصراعات المعاصرة لكنه لن يكون خاتمة المطاف فلا تزال الهوة كبيرة بين أطراف الصراع الدولي والإقليمي وسوف تعمل أي قوة على تقويضه إذا لم يلب طموحاتها كما أن القوى الفاعلة من غير الدول كتنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة فتح الشام وحلفائهما وهي قوى مستبعدة من الحل باعتبارها حركات إرهابية سوف تعمل على تقويض أي اتفاق في ظل غياب استراتيجية دولية موحدة تفضي للقضاء عليهما وهكذا فإن أستانة قد تشهد بداية انفراج إذا تم تجاوز الإشكالات المعقدة وتوسيع نطاق الدول المشاركة ومع ذلك فإن التوقعات بعمل اختراق استراتيجي مستبعدة.
عن الرأي