- الفساد: كالصواعق تنهال علينا أخبار
الفساد، فتخنق الآمال، وتغتال الانتماء والشعور بالأمان، ويصرعنا العجب والاستغراب
في حالات كثيرة: إذ كيف يُعقل أن يسطو مسؤول واحد مع طاقمه الفاسد على مبلغ 600
مليون من مؤسسة واحدة؟! وما هي تلك المؤسسة العظمى التي يُقتطف من ثمارها هذا
المبلغ الضخم، ويُختطف دون أن يتناهى عنه إلى أيّ أحد أيّ علم؟؟!!
هذه حالة من حالات كثيرة أخرى مشابهة يُفصح
عنها وتُفضح في وسائل التواصل، وتطفو على سطح الأخبار، ولعلّ المخفي أعظم!
ثم جاء تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021، في
حوالي 600 صفحة، يرشح بجهد عظيم مبذول في التدقيق والمراقبة، لكنه يطفح أيضاً
بمخالفات إدارية وهدر مالي واستهتار بالقوانين، واغتصاب أموال الدولة والمواطنين،
ويذرع الوطن طولاً وعرضاً، سُدى ولُحمة، ويثير العجب العجاب!!!!!
والأخطر أنه يمسّ أساس حياة كل الناس في
الغذاء والمياه والتعليم والصحة والاقتصاد...إلخ
قمح مُتلف يتحوّل إلى تراب أحمر ويعود
مجدداً لتتلقفه الأفواه الجائعة، وحليب فاسد يتسلل إلى أمعاء الأطفال، أرز مخلوط
بالمبيدات، دجاج مسكون بالسالمونيلا.....
مدارس مستأجرة مكلفة وغير مناسبة ترتفع
نسبتها إلى 20% من مجموع المدارس الحكومية، فاقد في المياه بنسبة 55% في بعض
المحافظات، خسائر بالمليارات في شركات المياه، أقاليم افتُرعت لتكون نواة الاقتصاد
الحرّ النامي تحوّل بعضها إلى مهاوٍ لا قرار لها في الخسائر والهدر والفساد، مئات
الملايين من المنح تُصرف دون أيّ ذكر لها في الموازنة، آبار جوفية تُحفر بالجملة
وتُهدر الملايين ثمّ تفشل، وما مشروع سد الكرامة عنها ببعيد، سيارات حكومية تَهدر
في الطرقات ليلاً نهاراً، دواماً وعطلة، تنفخ البنزين الممتاز المجاني، وتكثر
مخالفاتها وحوادثها، لقضاء حاجات كبار المسؤولين الخاصة، والاستعراض في الولائم
والمحافل والمناسبات العامة، سيارات تُستأجر لبعض المؤسسات تفوق قيمة استئجارها
أثمانها الحقيقية لو تمّ شراؤها، تهرُّب جمركي وضريبي، أملاك للدولة تستأجر من
الباب بأبخس الأثمان ثم يعاد تأجيرها للدولة من الشباك المحتال بأبهظ الأجور، تعيينات
مخالفة لأدنى أبجديات النظام والتعليمات، مكافآت ومياومات وسفرات وانتدابات وعضوية
مجالس واستشارات.... تغوص في التحايل على المال العام، رواتب محلّقة معلّقة تلوح
عالياً بين الأفلاك، وموظفون يتلاعبون بكلّ القوانين والأعراف والأخلاق: يتخاطفون
رواتب من عدّة هيئات ومؤسسات ووزارات في آن واحد دون أنْ يداوموا يوماً واحداً في
أيٍّ منها، بل دون أن يكون لهم ملف وظيفي فيها!!!!!!
نضع رؤوسنا بين أيدينا، وعقولنا بين
الأكُفّ، ونصرخ : كيف يحدث مثل هذا في هذا القرن، قرن الحوسبة والرقمنة والرقابة
الآلية ؟؟ هل نحن حقّاً جزء من هذا العالم؟؟!
فيُطلّ علينا المتنبي من خلف سجف ألف ومائة
عام ليصيح عبر المدى:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمنَ وما تفنى العناقيد!!!!
- العقاب:
حسناً، هذا هو الواقع المرّ المؤلم دون أن
نعمّم، وهذه هي الأخطاء والخطايا التي رصدتها عيون يقظة في ديوان المحاسبة، لكنّ
كثيرا منها يتكرّر شبيهه في كلّ عام، فأين هي المحاسبة؟ لقد وُضعت سابقاً نصوصٌ
للمعالجة، لكنْ يبدو أنها ظلت سطوراً باهتة نظرية يجفّ حبرها، ولا تظهر لها
نتائجها أو يتجلّى أثرها!!
فما الحلّ؟
الحلّ في القرآن الكريم: (ولكم في القصاص
حياة يا أُولي الألباب.)
الحلّ في توقيعات أُولي البأس والعدل
يخاطبون الفاسد بالوعيد ورصاص الكلمات الصائب: ( لقد كثُر شاكوك، وقلّ شاكروك،
فإمّا اعتدلت وإمّا اعتزلت. )
الحلّ في صيحة أبي تمّام قبل ألف ومائتي
عام:
فَقَسَا ليزدجروا ومَن يكُ حازماً فَلْيقْسُ أحياناً على مَن يرحمُ
إنّ الرحمة كلّ الرحمة تتمثّل في القسوة
هنا: الرحمة بالأب تدمع عيناه لا يجد قوت أبنائه أو كسوتهم، الرحمة بأطفال أسمالهم
بالية جائعون مُبتلّون ينتفضون من شدّة البرد وهم في طريقهم إلى مدارسهم الباردة
يتلوّث هواؤها بدخان بعض المدافئ البائسة، الرحمة بمَن لا يجد ثمن الكاز في
الزمهرير، الرحمة بالموظف المثقل بالقروض والديون، الرحمة بالجندي يقف طَوْداً
شامخاً يسيّج حدود الوطن، لا يملك أجرة الطريق للعودة إلى ذويه وأطفاله، الرحمة
بالمتقاعد المدنيّ أو العسكريّ عَبَرَ عمرُه العقود تلو العقود وراتبه الهزيل في
ثبات أبديّ وجمود، الرحمة بالملتزمين دافعي الضرائب والفواتير والمخالفات
والغرامات والأقساط الجامعية... ، الرحمة بالآباء والأمهات تنغرس أظافرهم في الصخر
ليقيموا أَوَد أُسرهم ويسدلوا عليهم سترهم.......
أمّا هؤلاء الفاسدون، فلا رحمة لهم، وليس
لهم إلّا القسوة ثمّ القسوة، ولا يكفي أنْ يُقال بعد استعراض كلّ خطيئة لهم: تمّ
تشكيل لجنة لتصويب الأمر، واسترداد المال المسلوب.
بعض المخالفات المرصودة مضى عليها سنوات
وسنوات، وما زالت اللجان العتيدة العظيمة العديدة تنظر وتدقق وتحقق وتنسّب، وتقصّ
أثر الذئب وهو يدلق شدقه لها ويمرح أمامها ويلعب، بينما الملايين تتهرّب وتتسرّب،
ومِربع يتنعّم ويتبغدد... رحم الله جريراً فقد وصف الحال جيدا حين قال:
زَعَم الفرزدق أنْ سيقتُل مِربعاً أبشر بطول سلامة يا مِربعُ!!!