ما تزال أهم مؤسسة سياسية تشريعية في
الدولة والصورة الواقعية للديمقراطية في الوطن تقبع تحت شهب التشكيك والخوف والرعب
من الرأي العام فيما يخص حمايتها وتحصين أعضائها وتطوير عملها، حيث نتج عن هذا
الرعب إعاقة وصول البرلمان الى مستوى يرتقي الى برلمانات الدول الديمقراطية
المتقدمة في العالم ،وذلك بحجة توظيف المصالح الشخصية.
اليوم ومن باب النصيحة يقع على مجلس
النواب التاسع عشر الذي ينتظر عقد دورته، تحديات حقيقية وجذرية أهمها استعادة ثقة
المواطن وتحصين البرلمان من خلال تطوير مدونة سلوك تنهض بالشكل والعمل البرلماني الجديد
القادم والمتوقع ولادته جراء تشكل الأحزاب السياسية الجديدة على الساحة اليوم
والتي تعمل على أمل الخروج بنهج سياسي متحضر ومتطور يواكب العصر.
تطوير مدونة السلوك التي أتحدث عنها هي
لتعزيز الثقة بالبرلمان ولترسيخ ثقافة تطبيق معايير النزاهة والشفافية لتحمي العمل
النيابي من توظيف ذوي المصالح المتعارضة مع المصلحة العامة، إضافة لمعالجة
الأخلاقيات البرلمانية ورفع مستويات الثقة المتدنية بمصداقية أعضاء البرلمان أمام
الرأي العام ،خاصة أن الدولة في مئويتها الثانية وبحاجة لتصدي لظاهرة تراجع الثقة
الشعبية بمؤسساتها العامة، وتحديدا سلطتها التشريعية.
ولأكون أكثر صراحة هنا فإن الأداء
الضعيف لبعض اعضاء المجالس السابقة، أضر بمصداقية المجلس بشكل عام، كما انني لا
أخفي دور وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي في تضخيم حجم السلوك السلبي الذي نتج
عن أولئك الأعضاء بتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الوطن والمواطن ،وهو ما شوّه
دور العمل النيابي الذي هو بالأساس رمز الشفافية والنزاهة.
فمدونة السلوك الحالية بحاجة إلى تعديل
جوهري لنقل المجلس واعضائه الى مكان محصن ليكون قادرا على اتخاذ قرارات جريئة
ومفصلية لمصلحة مستقبل ابنائنا مع الحفاظ على معايير الشفافية والنزاهة في تلك
التعديلات.
ولان في كل حدث مفصلي يخص المجلس لا
نرى الا دعم مؤسسة القصر في رفع السوية ، فقد لمسنا في أغلب اللقاءات الأخيرة التي
جمعت مؤسسة القصر بممثلي مجلس النواب كانت تتضمن الحرص الدائم على تطوير مدونة
السلوك لحماية المسيرة الديمقراطية من محاولات الإضعاف وزعزعة الثقة بالمؤسسة
التشريعية.
ومما لا شك فيه أن التبعات الاقتصادية
أثقلت كاهل المواطن وأفقدته الثقة بالديمقراطية التمثيلية وجدوى المجالس النيابية،
الا انه حان الوقت لإعادة الثقة في تلك المؤسسة لتكون أولى المؤسسات التي تستعيد
الثقة ،إضافة لإعادتها الى موقعها في قيادة الدولة نحو الديمقراطية المنشودة.
ولأنني على علم أن ما تطرقت اليه في
هذا المقال لن يعجب البعض وربما سيقولون فيه ما لا يخطر على بال ،إضافة الى انه
حال صياغة تطوير المدونة ستتم المهاجمة بكافة الطرق والوسائل، الا انه في المقابل
لا يجب علينا الوقوف والسكوت عن إنفاذ أهم خطوة لنجاح المجالس القادمة ،خاصة ان
مدونة السلوك الخاصة بأعضاء مجلس النواب مضى عليها اكثر من سبعة أعوام وأصبحت غير
فاعلة لمستقبلنا الديمقراطي.