وأنت تمشي على أطراف أصابعك كي يشعر
الكون بأنك تمشي ؛ كي لا يلتفتوا لبقايا أحلامك التي تخبّئها وراء ظهرك ..كي لا
ينتبهوا أنك تلبسُ حزاماً تلفّه على رغيفين يابسين لأبنائك كوجبة قبل النوم ..كي
لا يضعوا رؤوسهم برؤوس بعض و (يوتوتوا) عليك و (ينمّوا) نمّاً سافلاً يمسخرون فيه
وجودك كلّه..!
وأنت تغمضُ عينيك في وجه حبيبتك و تقول
لها : اتركيني احلم قليلاً ؛ قليلاً فقط ..سأحلم بك ..أعدك بأن أحلم بك ..وأحلف لك
بكل مقدس لديّ بأنني لن اتجاوز في حلمي سوى رؤية ابتسامة على شفتيك ..فمثلي أيتها
الشقية يخبّئ أحلامه خلف ظهره ولا يخرجها حتى وقت التفتيش ..لأنه يعيش على قلقٍ و
القلق يعيش عليه ..!
وأنت تنظر حولك في منتصف الشارع ..و
تقنع المارّين فيه أنك مثلهم (من شحم ولحم و دم ) وأنك (ابن تسعة) وأنك (تغضب و
تعصّب و ترضى) و أنك (تشتهي و تتمنى) و أنك ( تحب و تنحب ) وأنك (ليس على راسك
ريشة) ولكنك أيضاً : تمرض و تتشرشح في طابور الانتظار..وأنك يلتعن (أبو فاطسك) في
اقناعهم بأنك (بني آدم) ..و أنك لا تريد سوى أن تحافظ على كمشة الاحلام الصغيرة
التي تخبّئها خلف ظهرك خوفاً عليها من التلف أو الضياع أو السرقة أو حتى الاستهزاء
بها..!
وأنت تنظر للدنيا الآن من منظارك
الأسود ..هو منظارك ولكنّ السواد ليس منك ..هناك من سلب منه بقيّة الألوان ..حينما
رأيت كل الدم حولك مسكوباً في بلادك العربية ..في كل خطوة كانوا يسرقون لوناً
..وفي كل دقيقة كانوا يدهنون لوناً بالأسود ..لهذا صار منظارك بلونٍ يتيم ..ومن
عجيبهم أن يطلبوا منك أن ترى كل شيء بغير هذا اللون وهم من وضعوه في عينيك ..!
لا تستسلم رغم المنظار ..وتمسّكْ بكمشة
أحلام صغيرة تخبّئها خلف ظهرك ..وإيّاك أن تعرضها للتفتيش..!!
عن الدستور