كامل النصيرات
كنتُ أركب في تاكسي .. وكلّما مرّ السائق من جانب خربوش أو محل فواكه ..خفف سرعته على الأخير ..ونظر بعينين جاحظتين إلى الخربوش أو المحل .. ومن ثمّ دعس بنزين كالمشعوط و تأفف مع بدايات كشرة قد تشكلت على شفتيه ..!
تكررت العملية أكثر من مرّة ..اعتقدتُ بأن السائق يبحث عن شيء محدّد .. ولم يجده للآن .. و في آخر مرّة قال صراحة : اشي بفتح النفس ..!
و نظر إليّ لأشاركه النفس المفتوحة ..قلت له: شو هو ..؟ قال : الفواكه بتشهّي .. و قبل أن أسأله : ليش ما تشتري ..؟ قال بحرقة رجل وجد أمه بعد ثلاثين سنة في فيلم هندي : بس بدّك إللي يشتري ..!
نعم .. بس بدّك إللي يشتري ..!! هذه الجملة تخفي وراءها حكايات كثيرة .. ليس من بينها ولا حكاية عن رجل معه ثمن التفاح و البطيخ و المشمش .. بل كلها حكايات تنزّ حرماناً و تخرّ عجزاً .. وتسهب حد الإطناب بالألم ..!
أوصلني السائق إلى حيث أريد .. وبعد أن نزلت وأنا أحاسبه تجرأت و سألته : قديش واحد عايش عندك بنفس الدار ..؟ قال لي وهو يبتسم و قد فهم مغزى سؤالي : ما تعدّش ..! و ضحك و انطلق و أنا لا تدور في ذهني إلا جملة واحدة ..إشي بفتح النفس ..!
هل تفتح النفس لوحدها ..؟ هل هناك درجة محددة لفتحها ..؟ هل النفس التي تفتح هي النفس البشرية بشكل عام أم النفس الأمّارة بالسوء أم فقط نفس الفقير ..؟ هل هناك جريمة بفتح النفس ..أم أنها مسألة عادية جداً ..؟
أسئلتي كلها برسم الدموع .. و واضح لو تركتُ نفسي على سجيتها فلن أنتهي اليوم من ملايين الأسئلة .. لأن نفسي مفتوحة على الاسئلة .. لكن السؤال الأهم : إذا انفتحت نفسك .. كيف تغلقها بطريقة سليمة و أنت لا تملك ثمن الاغلاق ..؟
عن الدستور