بقلم: د. محمد حسين المومني
اختار الملك، يوم ميلاده، أن يقدم
لشعبه رؤية للمرحلة المقبلة تبنى وتتماهى مع خطة التحديث السياسي التي نعكف على
إنجازها. رسالة تمثل تقدير موقف استراتيجي دقيق، تقف على واقع الحال الوطني بما له
وما عليه، تقول للأردنيين هذا هو الطريق للمضي قدما في المرحلة المقبلة من عمر
بناء الدولة. أقدم قائد عربي، الملك عبدالله الثاني، الذي يبدأ عقده الستيني هذا
العام، محيط بأدق تفاصيل المشهد الوطني، كما ظهر برسالته لشعبه، والآمال معقودة
أننا بصدد ورشة تحديث اقتصادي على غرار ذلك السياسي، الذي مثل، بحسب إجماع
الغالبية العظمى، خطوة استراتيجية مهمة في جهود تحديث الدولة بمئويتها الثانية.
الملك يوجه، بورشة عمل اقتصادية تجمع
المختصين والقطاع الخاص والجهات الرسمية الحكومية، من أجل وضع سياسات وخريطة طريق
لأفقنا الاقتصادي. هذا وضع للإصبع على مكمن الجرح، فنحن نجمع أن وجعنا الأهم هو
الاقتصاد، وأننا لا بد أن ننهض بهذا الشأن الوطني الذي يلقي بظلاله على حياة
الناس. الديوان الملكي هو الحاضن والميسر لهذا الجهد، على غرار ما فعل بلجنة تحديث
المنظومة السياسية، وليس صحيحا بالمطلق أن هذا الدور استيلاء على صلاحيات الحكومة،
فالقرارات والسياسات ستنفذها وتطبقها الجهات ذات العلاقة، سواء كانت رسمية أم
أهلية. احتضان الديوان لهذا الجهد يعطيه أهمية وطنية بالغة، ويمده بأهم صفة غابت
عن سياساتنا واستراتيجياتنا الاقتصادية أنها لم تكن عابرة للحكومات، فكان كل مسؤول
يتولى ملفا يغير عليه، بما أفقد توجهاتنا وسياساتنا القطاعية صفة الاستمرارية
الضرورية لمراكمة الإنجاز. توجيه جلالة الملك يتعامل بالتحديد مع هذه المثلبة
الوطنية، بضرورة أن يكون هناك سياسات واستراتيجيات عابرة للحكومات، ضمن مؤشرات
أداء واضحة، وبهذا نضمن الديمومة والاستمرارية ومراكمة الإنجاز. كان لدينا أفضل الاستراتيجيات
القطاعية، ولكنها بسبب بحث بعض المسؤولين الفاقدين للثقة بالنفس عن بصمة أدخلوا
عليها تعديلات وأفرغوها من مضمونها فأصبحت مشوهة تفتقد لتراكمية العمل.
الرسالة أيضا أتت لاستنهاض الهمم
وتذكير الأردنيين بروح الآباء والأجداد الذين تحلوا بعزيمة البناء وتحدي المصاعب،
وهذا أيضا استجابة لتحد وطني كبير، وهو كسر حلقة الإحباط والسلبية وبث السواد الذي
يمعن بممارسته البعض، حيث يمارسونه بهدف واضح جلي، وهو خلق حالة وطنية تتراجع فيها
الروح المعنوية لتتهيأ البيئة الحاضنة لخطابهم وسوادهم. الملك يدعو أبناء شعبه
لاستعادة مساحات الحوار البناء، وأن نتحول لعقلية البناء الإيجابي ومواجهة
التحديات، وهذا يبدأ بأن نستند للحقيقة والمعلومة الصحيحة الصادقة التي تنصف
البلد، ونرى كيف أن الأردن وقف بوجه العواصف الإقليمية التي لا تنتهي، وأنه حقق
الشيء العظيم بتقييم أي منصف عادل. النقد مطلوب ويتوقع من المسؤول أن يقبله
ويتفاعل معه، ولكن لا بد أن يكون نقدا بناء يسهم في خلق مسار وطني إيجابي نحو
التعامل مع التحديات.
استعادة مساحات الحوار الإيجابي
المختطفة، والاستناد للمعلومة في التقييم والطرح، والتعامل مع تحدياتنا الاقتصادية
بتراكمية، أولى خطوات استعادة الثقة المجتمعية المتراجعة، وقد شكلت رسالة الملك
إيعازا للبدء في هذا الجهد الوطني المطلوب.
عن الغد