تُعاني مناطق
وأحياء سكنية متفرقة أجواءً من الضوضاء العارمة، بسبب الإزعاج المتواصل المنبعث من
مُكبِّرات الصوت وسمَّاعات أجهزة التسجيل المُثبَّتة في البكبات والمركبات المختلفة التي تجوب للتجارة من الصباح إلى المساء
في تلك المناطق والأحياء. حيث يقوم أصحابها باستعمال مُكبِّرات الصوت للمناداة على
موادَ مختلفة يعرضون بيعها حيث يقومون بسَردِ أصنافها صِنفا ًتِلوَ صِنفٍ وبصوتٍ
مرتفعٍ جداً، أو لشراء المواد المستعملة وسَردِ أصناف ما يرغبون ابتياعه في قائمةٍ
طويلةٍ من خلال أجهزة تسجيلٍ في مركباتهم لا تتوقف عن البث ولو لدقائق.. وفي حقيقة
الأمر فإن هذا النوع مِمَن يدَّعون رغبتهم في شراء المواد المستعملة لا يكون قصدهم
الشراء، بل الحصول عليها شبه مَجانٍ في لونٍ مِن الاستعطاء والتَّسَول المُقنَّع! ويتكرر
تجوال تلك الفئات لمراتٍ كثيرة في محيط العمارات السَّكنية ودون انقطاع، حتى وإنْ
لم يتوفر من يشتري منهم أو يبيع شيئاً من القائمة التي ينادون عليها!
إن
تصدير "التلوث الضوضائي" بهذا الأسلوب المُزعج لأحياءَ سكنية يَسلبُ حقَّ
الناس في الراحة والسكينة، ويَسلبُ أيضاً حقَّ الطلبة بالدراسة والتحصيل، وحقَّ
الأطفال في نومٍ هادئٍ، ويسلب وهذا أمرٌ بالغ الأهمية حقَّ المرضى بالخلود للراحة والنوم
على أسِرَّة شِفائِهم في بيوتهم! وفي السياق، تجدر الإشارة إلى تمادي بعض التجار
المُتجولينَ بمركباتهم بإطلاق زوامير مختلفة الأصوات دون اكتراث بالضوضاء التي
تسببها والأفظع من هذا إصرارهم على الوقوف، بل المكوث وتبادل الأدوار مع نظرائهم
من الباعة أمام عمارات وأبنية وتجمعات سكانية معينة بالرغم من عدم تجاوب السكان في
الشراء أو البيع كما أسلفتُ سابقاً، وكأن المُراد إشاعة جوٍ من الفوضى والتشويش قد
يُفضي لاحتكاكٍ مع السكان!
الملاحظة الأخرى تتعلق بالمطاعم والمقاهي
والنوادي التي مُنحت تراخيص عمل دون مراعاة مراقبتها بألاَّ تُحْدِث ضوضاء بيئية
فتراها ترفع كلَّ مساءٍ _ وليس لأمسيَّةٍ واحدةٍ لمناسبةٍ معيَّنةٍ _مكبرات صوت
سماعاتها لمستويات عالية في سَهَراتٍ وأمسيات لمُطرِبينَ تمتدُ لساعات متأخرة من
الليل. أمَّا ما يُعانيه سكانُ العمارات السكنية المحيطة الذين يُسْلَبون حقهم في
الراحة والخلود للنوم وكذا حال الطلبة والمرضى والأطفال فإنها مُعاناةٌ صعبة
ومريرة.. وكأن المقصود وكما يتحدث سكان تلك المناطق لتنفيرهم وتهجيرهم علماً أن
أبنيتهم قد شُيِّدَت قبل فتح تلك المطاعم والمقاهي بسنوات كثيرة. وقد اختاروا تلك
المواقع بقصد الهدوء والسكينة ولتنظيمها السَّكني. بما ينبغي اتخاذ الإجراءات
المناسبة وإنفاذ التشريعات البيئية بحق أصحابها وإلزامهم سواءٌ كانت في العاصمة أم
في المحافظات والمدن التابعة إدارياً لتلك المحافظات بتركيب عَزلٍ صوتي وبتحديد
معيارِ أصواتِ بثهم فلا تتجاوز تلك المطاعم والمقاهي وغير ذلك من إجراءات. أما
ادعاء البعض بأن ذلك كله يدخل في بند تنشيط السياحة الداخلية لذا يتم تجاهل صرخات
وشكاوى السكان المجاورين ومن هم أبعد سَكَناً فهذا الادعاء يُشكِّل هُروباً
واحتماءً في غير محلهما!
وفي السِّياق فهناك حَضانات ورياض أطفالٍ مُنِحَت
تراخيص بين عمارات سَكَنيَّةٍ حيث نُشِرت في ساحات بعضها
الخارجية ورُكِّبَت ألعاب التسلية فأخذت
تُصَدِّرُ الضوضاءَ البيئية والضَّجيج وتمنع راحة السكان المحيطين ومن يزاولون
أعمالهم من بيوتهم ، مَا ينبغي إنفاذ التشريعات البيئية بحقها.
ليس
المُراد بما جرى ذِكْره قطع أرزاق الناس واقصد المُلتزمينَ بالمعايير البيئية
جميعها، بل اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتنظيم عمل التجار المتجولين غير الملتزمين،
والمطاعم والمقاهي غير المُلتزمة ومراقبة أعمالهم من لجانٍ متخصصةٍ.. ومنع استخدام
أجهزة التسجيل أو المكبرات الصوتية لوقف التلوث الضوضائي للبيئة والناس. مع ما
يلزم من إجراءات بما يختص بالحضانات ورياض الأطفال. فالتعدي على البيئة بأي شكل من
الأشكال لا يندرجُ تحت مُسمى حرية الشخص بفعِل ما يشاء، مُستذكرينَ هنا مشروع واجب
الإنسان نحو البيئة هذا المشروع الذي تمّ إطلاقه قبل أعوام بهدف المحافظة على
هوائِنا ومائِنا وبيئتِنا من جميع العوامل السَّلبية المُعكِّرة.
* عضو
جمعية التغير المناخي وحماية البيئة الأردنية
[email protected]