قد يكون من المستغرب تحميل طلبة
التوجيهي لهذا العام مسؤولية التخبط في سياسة التعليم والتعاطي مع امتحان التوجيهي
في العامين السابقين ، اللذان شهدا نتائجا غير مسبوقة في تاريخ التعليم الاردني ،
ونحن نشاهد افواج الطلبة تحصد المقاعد في الجامعات الحكومية وفي مختلف التخصصات ،
خاصة العلمية ( المميزة والمرغوبة ) كالطب البشري وطب الاسنان ودكتوراة الصيدلة
والهندسة المدنية ، بشكل فاق باضعاف الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعات ، نتيجة عدم
مراعاة اساسيات القياس والتقويم وتفاوت القدرات الفردية بين الطلبة عند وضع اسئلة
امتحان التوجيهي وبطريقة قادت الى كرم علاماتي حاتمي ، لدرجة حصول ٧٨ طالبا وطالبة
على العلامة الكاملة العام الماضي ( وطالب واحد في العام الذي سبقه ) . حيث بلغ
عديد المقبولين مثلا في تخصص الطب في الجامعات الحكومية اكثر من ٣٠٠٠ طالبا وطالبة
، وبزيادة وصلت خمسة اضعاف الطاقة الاستيعابية لهذه الجامعات في هذا التخصص
والبالغة حوالي ٦٠٠ مقعد . الامر الذي ينطبق على كافة التخصصات الاخرى بشكل فاق
وباضعاف القدرة الاستيعابية لهذه الجامعات . بما يشبه مقايضة الطلبة عن الفشل في
تدريسهم وتعليمهم وفقا لسياسة التعليم عن بعد التي فرضها فيروس كورونا بالنجاح
وبالعلامات العالية . مما اشر وبما لا يدعو مجالا للشك بان وزارة التربية لم تكن
مهيأة ولا محتاطة للتعاطي مع اي ظروف استثنائية قد تواجه قطاع التعليم ، وذلك
بالرغم من التوجيهات الملكية في اكثر من مبادرة تعليمية في أكثر من مناسبة للقائمين
على السياسة التعليمية وتحسين طرق التدريس وتطويرها ، بضرورة توظيف تكنولوجيا
المعلومات والاتصالات والتقنيات الالكترونية والتعليم الالكتروني وعلم الحاسوب في
المنظومة التعليمية . الامر الذي لم يجد اي استجابة من الحكومات المتعاقبة ،
ووزارة التربية تحديدا ، منذ عام ٢٠٠٣ الذي شهد طرح اول مبادرة تعليمية ملكية بهذا
الخصوص ، تلتها مبادرة اخرى عام ٢٠٠٧ ، وصولا الى الاستراتيجية الوطنية لتنمية
الموارد البشرية عام ٢٠١٦ .
وبما ان هذه الاعداد الهائلة من الطلبة
الذين حصلوا على مقاعد في الجامعات بشكل فاق قدرتها الاستيعابية ، ستكون له نتائج
وتداعيات سلبية على مخرجات التعليم الجامعي وجودته ونوعيته خاصة في التخصصات
العلمية كالطب وغيره ، في ظل عدم توفر الامكانات التعليمية الكفيلة بجعل الجامعات
تستوعب هذه الزيادة الكبيرة جدا ، فان من المتوقع ان تذهب الامور نحو التفكير
بمعالجة هذه الزيادة على حساب طلبة التوجيهي في الاعوام التالية ، ومنهم طلبة
العام الحالي بطبيعة الحال ، من خلال تقليص عديد المقبولين منهم في الجامعات وفي
التخصصات العلمية النادرة تحديدا ، وذلك من خلال الحد من العلامات العالية ، التي
تؤهلهم للحصول على مقاعد جامعية في هذه التخصصات ، مما يفسر صعوبة الاسئلة في هذا
العام وتحديدا في تخصصي الكيمياء والفيزياء ، التي وصفها البعض بالاعجازية لعدم
قدرة الطلبة على حلها ، خاصة انهم خاضوا الدراسة وامتحان الثانوية العامة وهم ما
يزالون تحت رحمة التعليم عن بعد ، والذي لم يعطيهم حقهم في التعليم والتدريس ،
بشكل دفع بعضعهم لتعويض ذلك باللجوء الى الدروس الخصوصية على امل الحصول على
العلامة التي يتطلع للحصول عليها لاستكمال مسيرته التعليمية ، ليتفاجأ بهذا النوع
من الاسئلة الصعبة التي يراد منها تصويب مسار التعليم الجامعي على حسابه ومن خلال حرمانه
من العلامة العالية على خلفية فوضى علامات التوجيهي في العامين السابقين . خاصة ونحن نلاحظ ان مستوى اسئلة الكيمياء
والفيزياء يفوق بكثير مستوى التعليم الذي حصل عليه عن طريق التعليم عن بعد . دون
ان نغفل ان عقلية الطالب الاردني التي تفوق بها على المناهج التي يدرسها ، وهذه
حقيقة ، قد تكون ساهمت بجعل الاسئلة بهذه الصعوبة ، لضمان عدم قدرته على حلها ،
طالما ان المطلوب هو الحد من العلامات العالية ، وبالتالي من الحصول على مقاعد
جامعية في التخصصات العلمية النادرة . وهذا ربما ما يفسر ما قاله احد مؤلفي كتاب
الفيزياء بان بعض اسئلة الامتحان ، تتطلب مهارات عقلية عليا ، وتحتاج ٦ ساعات
لحلها ، ولا تتناسب مع الظروف الاستثنائية التي نمر بها .
وبنفس الوقت فقد بينت وزارة التربية
بان هناك عددا من الطلبة قد حصلوا على علامات كاملة . ولكن هذا لا ينفي ان الاسئلة
كانت صعبة بالفعل وتتطلب مهارات عقلية عليا ، خاصة وان حصول بعض الطلبة على
العلامة الكاملة جاء بعد المعالجة الاحصائية التي لجأت لها الوزارة ، وهو ما اكد
عليه وزير التربية والتعليم ، الذي صرح للتلفزيون الاردني بان هناك طرق احصائية
معينة قام بها المختصون ، وبعد هذا الاجراء تبين ان نسب النجاح كانت ضمن او اعلى
بقليل من معدل نسب النجاح في السنوات العشرة الماضية ، وان الامور جيدة بعد هذه
المعالجة لصعوبة بعض الاسئلة او الوقت غير الكافي المخصص لها .
مع ملاحظة ان الوزارة حققت هدفها في
عدم حصول الطلبة على علامات عالية.