رغم انتعاش آمال الناس بقرب انفراج
الوضع الوبائي وعودة الحياة إلى طبيعتها ما قبل كورونا، وبالتالي تحسن الوضع
الاقتصادي والمعيشي ولو تدريجيا، تأتي بعض الحقائق على الأرض لتنغص عليهم حياتهم.
ومنها تحديدا ما يتم تناقله ولمسه بوضوح من موجة ارتفاع لأسعار السلع في السوق
المحلي خلال الشهرين الماضيين. والأمر لا يتوقف عند السلع الغذائية وحدها.
صحيح أن مرد ذلك، كما يحلل البعض، يكمن
في ارتفاع الأسعار في بلد المنشأ وأجور الشحن والمواد الأولية في السوق العالمي،
وأحيانا بشكل جنوني، وبالتالي تحليق أسعار السلع محليا، لكن على الحكومة اتخاذ
الإجراءات الكفيلة للحد من ذلك.
فلا يعقل أن تصل الارتفاعات، ووفق
تقارير إعلامية، إلى أكثر من 100 بالمائة في بعض مدخلات الإنتاج ومنها مثلا الخشب
(من 250 دينارا لمتر الخشب إلى أكثر من الضعف) والحديد (من 500 دينار لطن الحديد
إلى أكثر من الضعف) وتبقى الحكومة ساكنة. هذا سيؤدي في النهاية إلى ارتفاعات غير
مسبوقة في العديد من المنتجات النهائية. خذ مشاريع الإسكان مثالا، وبالتالي عزوف
المقاول عن البناء، والمستهلك عن الشراء، ما يؤدي إلى تباطؤ عام في الاقتصاد، وهذا
آخر ما نود رؤيته.
أضف أن بعض التجار، وللأسف، يبالغون
ويستغلون الأمر لتحقيق أرباح تعوضهم عن خسائر أشهر كورونا، وما فرضته من غلق
وتعطل. لكنه ليس بالمبرر الأخلاقي ولا المهني في نهاية المطاف، ولا يجب أن يكون
المواطن من يدفع الثمن.
على الحكومة تأسيس هيئة لمراقبة
الأسعار برئاسة رئيس الوزراء نفسه وعضوية الوزراء المعنيين وممثلين عن القطاع
الخاص وجمعية حماية المستهلك، وأن يكون هناك مصفوفة عمل وملخص صحفي أسبوعي لإطلاع
الجمهور على ما يستجد وإجراءات الحكومة تجاه ذلك. وليس في هذا مبالغة، كما قد يرى
البعض، فالحكومات موجودة أساسا لخدمة الناس. وضمان توازن الأسعار لتكون في متناول
اليد هو في صلب أولوياتها.
الحلول، والقول الفصل للخبراء، قد تكمن
في إيجاد آلية إلكترونية لمراقبة الأسعار، ووضع سقوف سعرية على المواد الأساسية،
وخفض الرسوم والضرائب على المستورد، ومنح إعفاءات أكثر للمنتج الوطني، وإيجاد
أسواق بديلة وبأسعار أقل للاستيراد، وتعزيز عمل المؤسسات الاستهلاكية المدنية
والعسكرية، وتسهيل مشاريع تعزيز الأمن الغذائي، وربط الإنتاج الزراعي بالمنتج
الصناعي الوطني، ومنح تسهيلات بنكية وغير ذلك الكثير. خذ مثلا لو قامت الحكومة
بتسهيل استيراد المنتجات التركية، التي تتمتع بأسعار أقل مع جودة مميزة في الإنتاج
مقارنة بدول آسيوية وحتى أوروبية.
معظمنا يترقب الخير بالجهود الوطنية
الأخيرة، ومنها مخرجات قمة بغداد الثلاثية، التي جمعت جلالة الملك عبدالله الثاني
مع قادة العراق ومصر، والآمال تتعاظم في انتعاش الاقتصاد، ولو على مراحل، من خلال
فتح خطوط تعاون تجاري كبيرة عربيا وإقليميا وعالميا، لكن إحياء الأمل يبدأ من
معالجة الأمور التي تلامس حياة الناس اليومية لننجح بعدها في الخطط الكبرى.
ومن ذلك أن كل الحديث عن الإصلاح
السياسي والاقتصادي والإداري، ونحن ندخل إلى مئويتنا الثانية، لن يجد الصدى،
وبالقوة المطلوبة، لدى المواطن إن كان جل همه اليومي ترقب ارتفاع أسعار الدواجن
والأرز والزيوت، والتي شهدت ارتفاعات تجاوزت 10 بالمائة خلال أشهر معدودة، وغير
ذلك. وكل هذا يأتي ونسب البطالة لدينا تتجاوز 50 بالمائة بين الشباب، وفق البنك
الدولي، مع التحفظ على الرقم.
يتفهم معظمنا أن كورونا قد عصفت
بالاقتصاد العالمي، فما بالك بالمحلي؟ لكن الأردن، وبعلاقاته السياسية الكبيرة
قادر على اجتراح الحلول وتحويل التحديات الاقتصادية إلى فرص سياسية ومن ثم
اقتصادية. والتاريخ حافل بالنجاحات.
لنبدأ فورا بالحد من ارتفاع أسعار
المواد والسلع في السوق المحلي. ولتسجل الحكومة هدفا بذلك، استنادا إلى أدوات
الرقابة والسيطرة على الأسعار وهي عديدة. ولعل تجارب دول العالم من حولنا توفر
نماذج تحتذى في التعامل مع مشكلة ارتفاع الأسعار جراء وباء كورونا، الذي ما يزال
يلقي بظلاله على حياتنا، ويهدد أمننا المعيشي.
عن الغد