في كل عشرية يجد الأردنيون أنفسهم على موعد مع
شعار يمثل "عنوان المرحلة" تتشكل على هامشه اللجان والفرق وتوضع
الاستراتيجيات والوثائق والخطط لتلقى مصيرها المشترك في أرشيف فوق رف أو إن حسنت
خاتمتها ففي قاعدة بيانات أو على موقع ألكتروني إذا ظفرت بالشهادة.
الأجندة الوطنية والأردن أولاً ورسالة عمان
والاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد ولجنة الحوار الوطني، وكذلك الإصلاح
السياسي والشفافية والحاكمية الرشيدة والإصلاح الإداري ومدونات السلوك ... جميعها
عناوين هادرة تشكلت على ضفافها لجان وفرق وعقدت في رحابها لقاءات ونظمت فعاليات
وكتبت عنها صفحات عجّت بالتحليل والتأويل وتقدير الأثر وتخمين المآل.
توشك لجنة جديدة للإصلاح أن تولد يقال أنها ستضم
في عضويتها حوالي 80 شخصيةً تمثل مختلف القطاعات والجهات برئاسة رئيس وزراء أسبق
لم تعلن مهامها، إلا أنه من السهل معرفتها من خلال تسميتها وأخشى أنه يمكن استقراء
مصيرها من خلال ما انتهى إليه أسلافها من السابقين السابقين ثلة الأولين. إذا كان
صحيحاً أن لجنةً للإصلاح في مرحلة المخاض، فإن أول ما يتوجب عليها القيام به حال
ولادتها هو تحديد وإعلان أسباب عدم الأخذ بما انتهت إليه شقيقاتها من اللجان
الخوالي التي كان آخرها لجنة الحوار الوطني التي تشكلت على هامش أحداث
"الربيع العربي" وضمت شخصيات سياسية وازنة وعقدت لقاءات مكثفة مع أطياف
المجتمع في مختلف المحافظات، إذ أن مناقشة هذه الأسباب يعتبر مكمن الداء الذي
يستعصي على كل محاولات العلاج، حيث يبدو أن ثمة من لا يريد له زوالاً أو شفاء.
على منوال القول المأثور: "قلي من تصاحب
أقل لك من أنت" يمكن استخلاص نتيجة منطقية لمقدمة إيحائية: "قلي من
يتولى إدارة عملية الإصلاح أقل لك نتائجها ومصيرها"، إذ ثمة أمل في نجاح هذه العملية إذا تولاها من
يؤمن بها ويروم إليها ولا يخشى مآلاتها، وإلا فكيف يمكن أن يتولاها عتاة الصقور
المحافظين الذين أوجدوا الوضع القائم الذي ترعرعت في تربته مصالحهم السياسية والاقتصادية وتكونت على قممه
حيثيتهم الاجتماعية وأشبعت نرجسيتهم بأضواء الشهرة التي تتلألأ فوقها؛ وهل سيسعون
بملء إرادتهم إلى تغييره إذا كانوا أول من سيتوارى عن المشهد في حال حدوث الإصلاح
بل ربما سيكونون ممن تطالهم يد العدالة التي تنشط عقب الثورات وحركات التصحيح
والإصلاح الحقيقية.
إشراك المواطنين في رسم صورة المستقبل الذي
يتوقون إليه نهج محمود بل حق مستوجب لكنه قد يصبح مسخاً في مظهره وماسخاً في مذاقه
ومخبره إذا تحول إلى وسيلة لامتصاص الغضب وتنفيس الاحتقان وتجاوز المرحلة، لأنه
وهذا هو الأخطر، سيغدو دلالةً ومؤشراً على استهانة الدولة بعقول مواطنيها
واستخفافها بمطالبهم وتسفيه أحلامهم، طالما كانت هذه المشاركة والتشاركية لا تفضي
إلى أي نتيجة بل تزيد من حالة الإحباط واليأس وانعدام الثقة في الدولة ومؤسساتها.
في المقابل، من المهم أن تطرح أي لجنة إصلاح
أسئلةً مباشرةً ومؤلمةً على القطاعات والشرائح التي سوف تلتقيها لتضعها أمام
المرآة ولتنتزع منها حقيقة ما تريد وما إذا كانت مستعدةً للقبول بما ستفرزه عملية
التصحيح على مستوياتها المختلفة من نتائج قد لا تروق لها. فهل الجميع مثلاً على
استعداد للتخلي عن المحاصصة البرلمانية والحكومية والاحتكام للتمثيل الحق والمستحق
وتحكيم الكفاءة والأداء مقياساً لتولي المناصب والاستمرار فيها؟ هل خلو مجلس النواب
مثلاً من عائلة أو عشيرة لن يثير حفيظة أحد ولن يطالب أحد بتعويض هذا الغياب في
التشكيلة الوزارية أو العكس؟ هل يمكن أن يقبل الجميع أن يكون رئيس مجلس النواب
ورئيس مجلس الأعيان من مدينة أو محافظة أو عائلة أو عشيرة واحدة إذا أفضت
الانتخابات والتفاهمات والمصلحة العامة إلى ذلك؟ هل سيتقبل أقارب ومناصرو من يثبت
فساده أو إساءته لاستخدام السلطة مثوله أمام القضاء ومعاقبته دون احتجاجات
ومظاهرات؟
هذه الأسئلة وغيرها ضرورية وبدونها تغدو عملية
الإصلاح عبارة عن ترقيع لثوب قديم مهترئ يزاد عليه أو ينتقص منه أو في أحسن الأحوال
يعاد صبغه بدرجة أفتح لكن حتماً ودائماً من اللون نفسه، لتعود ريمة لعاداتها
القديمة ويمسي مشكاح كما كان عليه حاله في الصباح.