كان اللافت في الاحداث التي شهدها قطاع
غزة مؤخرا ، محاولة البعض الانتقاص والاساءة لمواقف الاردن من هذه الاحداث ومن
القضية الفلسطينية ولدوره الاقليمي بشكل عام ، بالرغم من تعاطيه مع القضية
الفلسطينية كقضية وطنية استراتيجية تحظى بالاولوية المطلقة على الاجندات الملكية .
وبخصوص قطاع غزة فلا شك بانه يخضع لسيطرة حركة حماس التي لعبت دورا بطوليا
واسطوريا في هذه المواجهة التاريخية مع الكيان الاسرائيلي بعد ان وضعته في مرمى
نيران منظومتها الصاروخية المتطورة التي طالت كافة مناطقه وفرضت عليه حالة من
الشلل والخوف والهلع بشكل غير مسبوق . وكان امرا طبيعيا ان تمثل حماس الجانب
الفلسطيني وان يتم التواصل معها بشأن تطورات الوضع . الامر الذي منح دولة كمصر وبحكم قربها الجغرافي وارتباطها
الوثيق بقطاع غزة الذي تعتبره امتدادا لامنها القومي . اضافة الى قطر بحكم
علاقاتها المميزة مع حماس ايضا ، فرصة ان تلعبا دور الوسيط بينها وبين الاطراف
الدولية المعنية للتوصل الى تهدئة ووقف اطلاق النار .
في مقابل دور الاردن الفاعل والمؤثر في
الضفة الغربية والقدس ، والذي اقتصرت علاقاته واتصالاته مع السلطة الفلسطينية دون
فصائل المقاومة بسبب التباينات السياسية معها ، خاصة حركة حماس التي طالبها بعدم
القيام باي نشاط عسكري او الترويج له انطلاقا من الاردن ، الذي حول علاقته معها
الى علاقة امنية . مذكرا بان من غير المسموح لمواطنين اردنيين بالانخراط في
تنظيمات غير اردنية .
ومع ذلك لا بد من التأكيد على اهمية ان
يفتح الاردن قنوات اتصال مع حركة حماس وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية ، بهدف
توسيع خياراته واعادة ترتيب اوراقه التي يمتلكها لتعزيز دوره وحضوره في المشهد
الفلسطيني بشكل اكبر ، بحيث لا تبقى هذه الاوراق
رهينة او مقتصرة على علاقته مع السلطة الفلسطينية فقط . دون ان نغفل تقديم
الاردن للمساعدات الانسانية والطبية والاغاثية والغذائية لسكان غزة ( ولكافة
المناطق الفلسطينية ) ، وانشاء مستشفيات ميدانية فيها مزودة بمختلف التخصصات
والكوادر الطبية والتمريضية والادوية والمعدات والمستلزمات الطبية المختلفة وغيرها
، واخلاء الحالات المستعصية والصعبة الى مستشفيات الخدمات الطبية في الاردن .
ان علاقة الاردن مع السلطة الفلسطينية
تأتي منسجمة مع موقفه المنحاز الى الحلول السياسية ، التي طالما رفضها الكيان
الاسرائيلي الى ان وجد نفسه مؤخرا في مواجهة البديل ممثلا بصواريخ المقاومة التي
فرضت وقائع جديدة احدثت تحولا في مسار الصراع لصالح الجانب الفلسطيني .
ان الاردن الاقرب جغرافيا والاكثر
ارتباطا وخصوصية بالضفة الغربية والقدس ، وتماهيا مع مصالحه الاستراتيجية ، قاد
جهودا كبيرة وجبارة ادت الى تراجع الكيان الاسرائيلي عن عملية ضم غور الاردن مثلا
، ومكنته من بلورة حراك سياسي دولي رافض لصفقة القرن ، الى جانب دور الدبلوماسية
الاردنية في حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية والحفاظ على الوضع التاريخي
والقانوني القائم والحيلولة دون تهويد القدس وتغيير هويتها وطابعها العربي والديني
والتاريخي ، انطلاقا من الوصاية الهاشمية والدور الاردني الديني والتاريخي في
المدينة المقدسة.. في اشارة الى تحمل الاردن لمسؤولياته والتزاماته الدينية
والقومية والتاريخية تجاه القضية الفلسطينية ، تأكيدًا على مواقفه ومبادئه وثوابته
تجاهها كقضية وطنية استراتيجية . وان هذه المبادئ والثوابت هي التي تحكم تعامل
الاردن مع جميع المبادرات والطروحات التي تستهدف حلها .
ما يجعلنا نطالب هذا البعض بعدم تحميل
الاردن اكثر من طاقته ، ومحاولة الغمز على
دوره والاساءة له بقصد او بغير قصد ، وان عليه عند تقييمه لمواقف الاردن ، ان يأخذ
باعتباره التطورات والظروف والتحديات التي فرضت نفسها على المنطقة ، وشكلت ضغوطا
على صانع القرار الاردني . لا ان يطالبه ( بالانتحار السياسي ) عبر تجاوز حدود
المنطق والعقل وعدم مراعاة حدود امكاناته وطاقاته وقدراته . فمستقبل الاوطان
ومصيرها وسياساتها ومواقفها لا تتحدد عبر منصات التواصل وتسجيل المواقف الشعبوية
على حساب المصالح الوطنية .