بقلم: مهند العزة
عاش الأردنيون ليلةً صعبةً لم
يَخبَروها من قبل مساء يوم السبت عقب نشر وكالة الأنباء الأردنية خبراً عن
اعتقالات طالت شخصيات وازنة ذات حيثية سياسية أو عسكرية أو من حيث قربها للعائلة
المالكة، لتأتي صحيفة الواشنطن بوست فتتحقق معها أشد مخاوف الأردنيين حينما نقلت
عن مصادرها وجود "محاولات معقدة وبعيدة الأهداف للنيل من استقرار وأمن
المملكة".
بضع دقائق مرت على نشر هذه الأنباء وبدأت وسائل
التواصل الاجتماعي تشتعل بالتحليلات والشائعات والتخمينات التي استند كثير منها
إلى مواقف مسبقة من الدولة سواءً كانت مع أو ضد، حتى صدر البيان
"التوضيحي" من القوات المسلحة الذي كان أهم ما فيه ليس تأكيد نبأ
الاعتقالات ووجود محاولات تمس بأمن المملكة واستقرارها، وإنما التصريح باسم الأمير
حمزة بوصفه محوراً رئيساً في ما يجري وما تحاول الأجهزة العسكرية والاستخبارية
احتواؤه.
قبل أن ينتصف الليل ظهر الأمير بمقاطع فيديو
بنسختين إحداهما عربية اتسمت بالحدة ونزعة تحريضية لا تخطؤها الأذن وأخرى إنجليزية
كانت أكثر هدوءً لكنها بخلاف النسخة العربية أتت على ذكر الملك حينما روى الأمير
ما دار بينه وبين رئيس هيئة الأركان وفند ما وجّهه له من مبررات تتطلب منه الكف عن
التواصل مع من حوله باستثناء أفراد العائلة لأنه "يتناول بالنقد الحكومة
والملك".
لا شك أن الأمير حمزة حظي بشعبية معقولة لكنها
ليست كاسحة، حيث ساهم في اكتسابه لشعبيته هذه عوامل مختلفة بينها قاسم مشترك وحيد
وهو العامل العاطفي المحض. فالشبه في نبرة الصوت وأسلوب الخطاب وربما الشكل بين
الأمير ووالده الراحل الملك حسين بن طلال؛ فتح له طريقاً إلى قلوب فئات وشرائح من
المجتمع التي وجدت في استجرار العقود الماضية ملاذاً مما تواجهه من ضائقة العيش
الذي تمر به دول العالم قاطبةً نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والصراعات الإقلمية
وما نجم عنها من موجات عاتية من اللجوء، هذا فضلاً عن تنامي الفكر المتطرف
والحركات الإرهابية المسلحة التي أتت على
الأخضر واليابس في دول الجوار، حتى ما كادت شعوب المنطقة تعتقد أنه آن أوان التقاط
الأنفاس، لتداهمهم جائحة كورونا بويلاتها الصحية وضرباتها الموجعة للاقتصاد
والتنمية والحريات وحقوق الإنسان التي نالت منها أحكام قوانين الدفاع والطوارئ.
كان الأردنيون بعد ظهيرة يوم أمس الأحد على موعد
مع بيان وصف بأنه "تفصيلي" لم يقدم أكثر مما تم تداوله سوى النذر
اليسير، وكان لتصدر وزير الخارجية أيمن الصفدي المؤتمر الصحفي وقراءة البيان
دلالته الواضحة على أن ما حدث في الأردن مخطط عابر للحدود التقت فيه كما قال
الوزير "أوهام وطموح بأجندات ومصالح لجهات أجنبية تسعى لتقويض الاستقرار في
الأردن والمساس بدوره الإقليمي".
قد يكون ما حدث ليس مفاجئاً للبعض الذين قرأوا
في مواقف وتصريحات الأمير حمزة من الشأن العام ولقاءاته الجهوية بممثلي العشائر
خلال الأشهر الماضية؛ محاولةً تسترعي الاهتمام لاستقطاب تأييد شعبي انتهى به
المطاف ليكون شعبويا، إلا أن ما يستوجب المراجعة والتأمل هو المناخ الذي فتح
آفاقاً لمثل هذه التحركات التي إما وظِّفت أو جاءت أصلاً لتقويض نظام الحكم
والوصول إلى السلطة.
حاول الأمير في المقاطع المصورة التي ظهر بها
مساء السبت استثارة واستمالة مشاعر الأردنيين من خلال الحديث عن أوجاع يشكو منها
المواطنون ولا ينكرها النظام بل يعترف بها ويسعى لمعالجتها مثل "الفساد
والترهل والضائقة الاقتصادية"، حيث عقد الأمير مقارنةً بين عقود مضت والعقدين
الأخيرين، ليقول لمن لم يعاصر الفترتين أن الأردن كان بلداً خالياً من الأزمات
والمشاكل و"رائداً في حرية التعبير والتعليم والصحة"، وهذا بطبيعة الحال
تعميم يعوزه الكثير من التدقيق والتأمل. فالأردن في نهاية عقد الثمانينيات واجه
أزمة اقتصادية وسياسية داخلية طاحنة أفضت إلى احتجاجات شعبية عارمة نتج عنها
استئناف الحياة البرلمانية، لتعود عملية الإصلاح السياسي فتسجل تراجعاً كبيراً في
عقد التسعينيات مع تعديل قانون الانتخاب وتبني نظام الصوت الواحد، أما البطالة
والفساد والمحسوبية فطالما تحدث عنها الملك الراحل الحسين بن طلال وعن ضرورة
محاربتها وإحداث إصلاح جوهري في مفاصل الدولة كافة.
من يستمع إلى كلمات الأمير يظن أن العقدين
الماضيين قد مرا على الأردن والعالم بلا حروب وصراعات وأزمات وتحولات في موازين
القوى والعلاقات الدولية الإقليمية التي نحت منحى أكثر من براغماتي إذ هو
دراماتيكي بامتياز خصوصاً في مجال حركات التطبيع غير المسبوقة التي اجتاحت الإقليم
وتماهي عدد من الدول مع سياسات الكيان الغاصب في الضم والاستيطان والسعي للتوطين،
الأمر الذي وضع الأردن بموارده وخياراته المحدودة بين فكي كماشة وقد تخلى عنه
الجميع بل بادره بعض أبناء جلدته بالغدر والخذلان.
التأثير السلبي للتعتيم الإعلامي في وقت كانت
الناس تبحث فيه عن المعلومة الدقيقة التي تطمئنهم على وطنهم وأنفسهم؛ كان واضح
الأثر في هذه الأزمة كما في غيرها، إذ ترك الناس نهباً للشائعات ومصادر المعلومات
من كل حدب وصوب بما فيها أصحاب مضافة "خريوش" على منصات التواصل
الاجتماعي ممن يصنفون أنفسهم ب"معارضة الخارج" وجلّهم في حقيقة الأمر من
جوقة "أبو صياح" تجمعهم العنصرية البغيضة وخلو الوفاض من أي برنامج أو
أجندة، ناهيك عن غوغائية الخطاب وعشوائيته.
ما حدث يجب أن يكون حافزاً لعملية مراجعة شاملة
للأداء السياسي والاقتصادي والإداري والإعلامي في الأردن الذي صحيح أنه ليس سهل
المنال ومنيع على محاولات الزعزعة وشق الصف، لكن مش كل مرة بتسلم الجرة.