يصب الناس جام غضبهم بعد كل فاجعة او مصيبة ما، على احد الوزراء او
المسئولين، محملين اياه مسؤولية ما حدث، فيرحل الوزير ويأتي وزير آخر مكانه فيشعر
الناس بالارتياح، وكان الوزير الجديد قادم من كوكب آخر أو انه يحمل عصا سحرية قادرة على حل مشاكلنا.
في وجداننا وقناعتنا الشخصية إيمان مطلق بان الوزير الذي استقال،
والوزير الذي جاء لا يختلفان عن بعضهما البعض، اللهم إلا فروقا فردية شخصية قد
يجهلها كثير من الناس.
ولعل في فاجعة السلط الأخيرة-
يرحم الله من قضى فيها رحمة واسعة- مثال يمكننا ان نسلط الضوء فيه أهمية تغيير
النهج لا الأشخاص.
الوزير نذير عبيدات وزير الصحة الاسبق ، استاذ جامعي مشهود له
بالكفاءة ، وطبيب من أشهر الأطباء في تخصصه، ليس فقط على مستوى الأردن لا بل
والعالم العربي، وقد تم اختياره وزيرا للصحة لاعتبارات الكفاءة، خاصة في هذه
الظروف التي نمر بها ويمر العالم اجمع بها. فكيف تحول هذا الأستاذ المعروف بكفاءته وتميزه إلى
وزير فاشل في لحظة عين؟ وكيف طوي تاريخه الطويل من الإخلاص والانتماء والتميز وذهب
أدراج الرياح بسبب انقطاع الأوكسجين عن المرضى!
وهل من عمل وزير الصحة مثلا أن يتابع كميات الأوكسجين الموجودة في كل
مستشفى شخصيا، ليكون وزيرا ناجحا وليستمر في وزارته إلى أول تعديل وزاري أو نحو
ذلك؟ مسؤولية تفقد الاوكسجين في اي مستشفى
تقع على عاتق افراد محددين قد يصل عددهم الى عشرة اشخاص او ربما اكثر قبل ان يصل
الامر الى وزارة الصحة المركزية في عمان. رئيس القسم المختص في المستشفى والفننين ومدير الدائرة ومساعد
المدير ونائبه ومدير المستشفى كلهم
مسئولين مباشرة قبل الوزير، ولا ننسى مديرية الصحة في المحافظة بكل كوادرها وصولا
الى مدير الصحة كلهم ايضا مسئولين مباشرة قبل الوزير.
الجميع يعلم ان اقالة الوزير او تقديم الوزير استقالته قرار شعبوي، الغاية منه امتصاص الاحتقان الشعبي وتهدئة نفوس أهالي الضحايا ، ولو كان الوزير
مذنبا و يتحمل حقا مسئولية ما حدث فلماذا لا يقدم للمحاكمة؟ المسؤولية الأخلاقية التي تطيح بالوزير
والمدير تقوم أساسا على مبدأ ان الجميع
يقوم بمسؤولياته خير قيام فيذهب الوزير مع
انه لا يتحمل فعليا اي مسؤولية عما حدث ليأت وزير آخر ويكمل الطريق.
ينبغي ان نعترف ان علينا ان نراجع أنظمتنا التعليمية مراجعة وطنية
دقيقة، وان نعيد النظر في منظومتنا الاجتماعية التي تقدم العشيرة على الدولة وتقدم الاستثناءات على حساب المصلحة العامة.
ينبغي ان نلاحظ اننا لا نعيش في جزيرة معزولة وان كثيرا من الدول التي كنا نعتقد
اننا نتفوق عليها قد سبقتنا، وأننا لم نعد
الدولة السوبر في المنطقة والمتميزة على كل من حولها. كان سر تفوقنا في أنظمتنا
التعليمية التي بنت الإنسان الأردني وجعلت منه كفاءة محلية وإقليمية جعلته وعلى
الرغم من شح الإمكانات متفوقا.
استقالة الوزير عبيدات ليست الاولى ولن تكون الاخيرة فقد سبقه الوزير
عزمي محافظة الاكاديمي المشهود له بالكفاءة ايضا حين استقال على خلفية حادثة البحر
الميت قبل اكثر من عامين مع ان قرار قيام رحلة مدرسية مسئولية موظف في دائرة النشاطات
في مديرية التربية والتعليم، حتى مدير التربية قد لا يعلم عنه شيئا.
تغيير الوزراء او المسئولين
واستبدالهم بوزراء اخرين لن يغير
شيئا، ولن يعيد الامور الى نصابها، مطلوب من الحكومة ان تعيد النظر في نهجها الذي
اصبح جليا انه يعيد نفسه، واتباع ذات السياسة سيعيد انتاج ذات الادوات
وذات الاخطاء. الوزير او المدير لا يعمل بمفرده، لا بل هو جزء من منظومة الوزارة
او المؤسسة التي يعمل بها، والوزير لا يستطيع ان يعمل او يحدث تغييرا اذا لم يكن
من حوله يتمتعون بأدنى مسؤولياتهم المهنية والفنية والأخلاقية.
المحاصصات العشائرية
والمناطقية الجغرافية وتوريث المناصب
وإسناد الامر لغير اهله سرطان يهدد مستقبل
الأردن وبدأنا نرى أثاره المدمرة في مختلف
مؤسسات وقطاعات الدولة وإذا ما أردنا النهوض باردننا الغالي فان علينا أن نعيد
النظر في نهجنا السياسي والاقتصادي والاجتماع لنصل الى المجتمع المدني الذي نريد.
* استاذ
المناهج والتدريس بجامعة مؤتة