يحاول البعض تنصيب نفسه محل الادارة
الاميركية في تحديد شكل العلاقة مع المملكة العربية السعودية على خلفية تقرير الاستخبارات الاميركية بشأن
جمال خاشقجي ، محاولا شيطنتها والذهاب بعيدا في تحليلاته لدرجة التشفي والتمني بان
تشهد هذه العلاقة تحولا لافتا يدفع بالولايات المتحدة حد استخدام لغة الوعيد
والتهديد والقطيعة مع السعودية . وذلك على خلفية تأثر هذا البعض بالبيئة الفكرية
والحزبية والمذهبية والتياراتية التي ينتمي لها ، والتي لم تجلب لامتنا الا
الهزيمة والدمار والخراب . لدرجة انه بات يعلق امالا على دولة اجنبية في استهداف
دولة عربية اسلامية ترجمة لمواقفه العدائية منها ، متجاهلا ان السعودية دولة ذات
سيادة ومحورية ولها وزنها وكلمتها ومكانتها ، وتمثل ثقلا دينيا واقليميا واقتصاديا
وماليا وسياسيا كبيرا وهاما في المنطقة ، يجعلها قادرة على توظيف قدراتها ومواردها
وامكاناتها في تحشيد اطراف اقليمية الى جانبها وتحت قيادتها ، بما يمكنها من قلب
موازين القوى ، وهي التي امكنها تشكيل تحالفات عربية واسلامية وقيادتها في مواجهة التنظيمات
الارهابية في الاقليم ، اضافة الى استجابة الدول العربية والاسلامية مجتمعة
لدعواتها في عقد اجتماعات ولقاءات مختلفة لبحث ملفات وقضايا ذات مصالح مشتركة . في
تأكيد على فاعلية دورها وحضورها وتأثيرها ، الذي ليس من السهل على اي من الاطراف
الدولية تجاوزه او تجاهله حتى وان كان بوزن الولايات المتحدة ، المشغولة والمصدومة
هذه الايام بحجم تبعات تركة الرئيس السابق دونالد ترمب الثقيلة والخطيرة والمكلفة
في ظل السقوط المدوي لمنظومتها القيمية والاخلاقية التي تهاوت على وقع ضربات الرئيس
ترمب الموجعة ، وتحريضه على العنف والتمرد واقتحام احد اهم معاقل اميركا
الديمقراطية ممثلا باقتحام مبنى الكونجرس وسقوط عدد من الضحايا ، بطريقة شحنت
المشهد الاميركي بالعنصرية والفوضى والانفلات ، مما سيجعل الرئيس الاميركي جو
بايدن امام هذا التحدي الداخلي ، الذي يتطلب جهودا كبيرة لتجاوز اثاره المدمرة على
بلاده ، اذا ما اراد ان يعيد لها هيبتها ومكانتها وسمعتها ، بدلا من الهروب من هذا
الواقع نحو افتعال مشكلات خارجية .
اضافة الى التداعيات السلبية التي
تركها عهد ترمب على علاقات الولايات المتحدة مع العديد من دول العالم ، وانسحابها
من بعض المنظمات والاتفاقيات الدولية ،
مما سيدفع بادارة بايدن نحو التفكير بضرورة التهدئة واعادة الدفء لعلاقات
الولايات المتحدة الخارجية . مع الحرص على عدم فتح جبهات خلافية او الدخول في
اشكاليات مع اطراف دولية حتى لا تفقد تركيزها في معالجة الاولوية التي فرضت نفسها
على اجنداتها ، والا فان الامور قد تخرج عن السيطرة وتكون مرشحة الى مزيد من
الفوضى والانفلات ، وبشكل قد يؤثر سلبيا على صورتها ومكانتها ، وربما على قيادتها
للمنظومة الدولية ، ووجود اطرافا اخرى قد تقاسمها وتشاركها هذه القيادة بفعل هذه
التطورات مجتمعة . مما يجعل المملكة العربية السعودية امام خيارات متعددة ومفتوحة
، قد تمارسها كاوراق ضغط على الادارة الاميركية ، وبحسب موقفها ورد فعلها من تقرير
خاشجقي ، وربما التفكير بالتخلي عن
علاقتها المميزة والتاريخية بالولايات المتحدة ، والانضمام الى محاور وتحالفات مع
اطراف دولية اخرى فاعلة ومؤثرة ، ستجد في السعودية التي تمثل ثقلا محوريا اقليميا
وعالميا ، عاملا مهما في زيادة نفوذها وتأثيرها وحضورها وتدعيم كفتها في منافستها
العالمية . الامر الذي لا يمكن للولايات المتحدة المجازفة او التضحية به تحت اي
ظرف من الظروف . وهو ما يؤكده حرصها على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية الكبرى مع
السعودية ودعمها امنيا ، وابقاء المجال مفتوحا للتفاهمات المشتركة معها حيال
الملفات العديدة التي تشهد اتفاقا متبادلا ، وعدم احداث اي شرخ او الذهاب بعيدا في
علاقاتهما حد الدخول في صراع في ظل الروابط القوية والهامة والمميزة التي تجمع
بينهما .