ايريس ميردوك شابة إيرلندية جذابة تحب الحياة والأدب
واللغة. كتبت عن أهمية الحب في حياة الإنسان فأصبحت كاتبة مشهورة. تزوجت من جون
بيلي أستاذ اللغة الإنجليزية بعد قصة حب جامحة. قال عنها زوجها "تختفي ايريس
من حين إلى آخر في عوالم مجهولة ولكنها تعود دوماً وقد قامت بتأليف قصة جديدة
فتدخل حياتي من جديد لنركب الدراجات الهوائية ثم نجلس على ضفة النهر لأستمع منها
إلى أجمل معاني اللغة".
اشتهرت ايريس بكتاباتها عن أهمية القراءة والكتابة فكانت تقول: "إن
الجمال الذي تستطيع اللغة أن تبرزه مرتبط بالفكرة فإذا لم يكن لدى المرء كلمات
فكيف يفكر". كتبت ايريس ما يزيد عن خمسة وعشرين رواية وتم اختيارها بين أحسن ُكتاب
القرن العشرين.
عاش الزوجان العاشقان حياتهما لوحدهما بدون إنجاب أطفال حتى بلغت ايريس
الستين من عمرها عندما بدأت تعاني من تغيرات صحية. تحاضر في ندوة عن أهمية اللغة
فلا تجد المفردات اللغوية المناسبة. يدق ساعي البريد باب منزلها فتقول عنه:"الرجل
الذي يحضر الرسائل". تجلس لكتابة فصل جديد في روايتها وفجأة تصبح المعاني
غريبة عنها فلا تعرف كيف تنهي الجملة التي تكتبها. تبدأ المفردات اللغوية المنطوقة
والمكتوبة بالتلاشي فتنسى أسماء الأقارب والأصدقاء وتبدأ بتكرار الجمل والكلمات. كانت
في المرات القليلة التي تتمالك بها ذاكرتها تقول "أنا خائفة مما يحدث لي
لأنني لا أفهمه، أحياناً أخطئ في بعض الكلمات فأخاف ثم ترجع هذه الكلمات إلى
ذاكرتي فأخاف أكثر". تنمحي ذاكرتها تدريجياً فتنسى أنها تزوجت وتنسى أنها
كاتبة وتبدأ بغناء أغنية كانت ترددها وهي طفلة صغيرة.
يقول زوجها "كم هي غريبة مفارقات القدر فقد كانت ايريس تحب الأشياء
القديمة التي كلما قدمت واهترأت أحبتها أكثر حتى تنمحي". تبدأ قدراتها
الجسدية بالتلاشي فتنسى كيف تلبس ملابسها وتنسى كيفية تحضير الطعام. يلاحظ زوجها
ارتباكها وتبدل مزاجها فتصبح عصبية وأحيانا عنيفة مليئة بالشكوك "يخفون عنها
أشيائها، يسرقون منها نقودها، يتآمرون عليها فتخرج من المنزل في غفلة من الجميع".
خرج زوجها في سيارته يبحث عنها بينما الثلج يتساقط من حوله فتذكر كيف كانا في
شبابهما يرقصان تحت المطر. وجدها هائمة على وجهها فضمها إليه ولملم شعرها المتناثر
وخلع معطفه ليغطي جسدها المبتل. يخاف زوجها من البقاء معها وحيداً فيقرر أن يدخلها
في ملجئ ٍللعجزة. يقود السيارة وهي تجلس إلى جانبه وينتقل ببصره من وجهها إلى وجه طفلة
تقفز مرحاً على رصيف الشارع. تعيش ايريس في ملجئ العجزة حيث تنزوي وتبدأ قدراتها
الحركية بالتضاؤل فتصبح قعيدة الفراش. كان زوجها يزورها باستمرار فلاحظ أنها
"كانت تعيش في عالمها الخاص حيث لا تفهم ما أقوله لذلك تعَودتُ أن أبتسم لها
وكأنني أخبرها عن طرفة فتبتسم لي".
بعد سنة من دخولها ملجأ العجزة
تبدأ ايريس بالاحتضار. يجلس زوجها أمامها حتى تنطفئ شعلة حياتها عام 1999 عن عمر ناهز
الرابعة والستين. يلملم زوجها ملابسها ويضعها على أنفه ووجهه وهو يبكي بحرقة كطفل
صغير أبعدوه عن أمه. هذا هو مرض "الزهايمر" الذي سمي كذلك نسبة إلى الطبيب
الألماني "لويس الزهايمر" الذي اكتشف المرض عام 1906 وهو عبارة عن ضمور وتآكل في الخلايا
العصبية حيث تم تشخيص سبعين مليون حالة في العالم حتى الآن في أعمار سنية مختلفة.
يقول الله في محكم كتابه "وَمِنكُم
مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ
شَيْئًا" صدق الله العظيم.
[email protected]